أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 14

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ / السّنةُ الثّالِثَةُ / 14

السيمر / الاثنين 20 . 06 . 2016

نــــــــــزار حيدر

{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
٨/ العلمُ والتعلُّم والتعليم والتربية، فالدّينُ الذي لا يحرّض على العلم ويدفعُ المجتمع صوبَ الكسلِ المعرفي والخمول الثّقافي والاتّكال والتّواكل العقلي انّما هو ليس دين الله تعالى وانّما هو دين السّلطان الذي يسعى دائماً لتجهيل المجتمع ليمرّر عليه اجنداته التي تخدم سياساته العامة، كما كان يفعل فرعون مع قومهِ والذي صوَّرهُ القرآن الكريم بقوله {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} امّا دين الله تعالى الذي نزلَ على كلمة {اقْرَأْ} فقال تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فهذا الدّين يحثُّ على طلب العلم لتحقيق الفتوحات العلميّة ليس في الارض فقط وانّما في السماوات والأرض كما يَقُولُ تعالى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} بل انّ فلسفةَ خلق الله تعالى لأبي البشر آدم قامت على أساس التّعليم كما في قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ} هذا يعني انّ كل قراءة تحرّض على الجهل وتشيع التجهيل والاستحمار وتغييب العقل مرفوضة رفضاً باتاً.
لقد ميّزت العديد من آيات القرآن الكريم بين العلمِ والجهلِ، فرفضت المساواة بين العالِم والجاهل، فذلك كمن يساوي بين النّور والظّلام فقال تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} وقوله {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وقوله {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ومع كلّ هذا فاذا بأمّة {اقْرَأْ} كما يسمّونها هي أمة جاهلة في القرن الواحد والعشرين، امَّةٌ نسبة الأميّة والجهل فيها اكثر من (٥٠٪‏) وانّ معدّل السّاعات التي يُطالع فيها المواطن العربي سنوياً لا تتعدى (٤٠) دقيقة، حسب الإحصاءات الموثّقة التي نشرتها مؤخراً المؤسّسات المعنيّة التابعة لجامعة الدّول العربيّة.
ولقد صُعقتُ شخصيّاً عندما علمتُ انّ نسبة الجهل والاميّة في تزايدٍ وانّ حال التّعليم في تدهور في بلدٍ مثلَ العراق الذي يفتخر شعبهُ بحضاراتهِ المتنوّعة والمتعدٌدة والتي علّمت البشريّة القراءة والكتابة!.
انّنا اليوم امام كارثة وطنيّة حقيقيّة أَساسها التّدهور المتسارع للعمليّة التعليميّة بشكلٍ عام، وعلى مختلف المستويات، من جانب، واستعاضة المجتمع وخاصّةً النشء الجديد عن قراءة الكتاب والمطالعة بوسائل التّواصل الاجتماعي التي باتت بالنّسبةِ لهُ هي المصدر الوحيد تقريباً للمعلومة، فهو يقضي معها كل وقتهِ تقريباً، يتصفّحها وكأنها نصوصٌ منزَلة، يأخذ بها بلا تفكير ويتعامل معها بلا تمحيص ويتناقلها بلا رويّة أو تثبّت.
للاسف الشّديد فلقد ولّى ذلك الزّمن الذي كان فيه الشّاب يقضي وقتاً ممتعاً مع الكُتب والمجلّدات ينهل منها العلوم والمعارف ويزداد بها ثقافة واسعة.
لو استمرّ الحالُ على ما هو عليه فإنّنا سنكون امام كارثةٍ حقيقيّةٍ، فوسائل التّواصل عبارة عن مشروعٍ لتدمير العقليّة وتسطيح الوعي والغاء الثقافة وتغييب القراءة والمطالعة.
يجب ان ننتبهَ الى هذهِ الكارثة، من خلال إطلاق مشاريع وطنيّة عامّة للعودة الى الكتاب، الذي ينبغي ان لا نستعيضَ عنهُ بأيّ مصدرٍ آخر للمعرفةِ أبداً.
لقد هالني المنظر عندما زرتُ العام الماضي شارع المتنبّي، اذ لم أجد الا ابناء الجيل القديم يبحثون عن الكتاب، امّا الشّباب فلم أرَ منهم أحداً يبحثُ عن الكتاب في هذا الشّارع التاريخي العريق الا الّلمم.
أَتعرفونَ ماذا يعني اذا غابَ الكتابُ من حياتِنا؟ يعني انّنا فقدنا المصدر الحقيقي للعلمِ والمعرفة، وهي بداية كارثة الأميّة التي تمرُّ بها الأُمم!.
كذلك، نَحْنُ بحاجةٍ الى مشروعٍ وطنيٍّ فوريٍّ من خلال تشكيل لجان متخصّصة الهدف منها دراسة هذه الظّاهرة واسبابها من جانب، والبحث عن السّبل والطّرق العلميّة والعمليّة الكفيلة لإيجاد الحلول لها لإعادة الكتاب الى موقعهِ الطّبيعي في المجتمع من جانبٍ آخر.
كما انّنا بحاجةٍ الى تشكيل لجانٍ متخصّصة فوريّة لإعادة النّظر في كلّ المناهج التعليميّة والتربويّة وطرق التّربية والتّعليم وعلى مختلف المستويات، لإعادة كتابة مناهج تعليميّة وتربويّة جديدة تأخذ بنظر الاعتبار التطوّر العلمي الذي وصل اليه العالم لنلحقَ به ولا نظلّ متخلّفين عنه، من جانب، والمرحلة الجديدة التي دخلها ويعيشها العراق الآن من جانبٍ آخر.
خاصةً على صعيد التّربية الوطنيّة، فنحنُ بحاجةٍ ماسّةً الى مناهج تعليميّة تكرّس المواطنة ومعايير الشّراكة الحقيقيّة والتّعايش والتعدديّة والتّنوّع لنبني بها جيلاً جديداً يتحدّى الارهاب والعُنف والتّكفير والكراهية واحتكار الحقيقة والغاء الاخر، جيلٌ يتسلّح بقوّة المنطق بدلاً عن منطق القوّة.
للاسف الشّديد فانّ العراقيّين نسوا الكثير من القيم الانسانيّة الحقيقيّة جرّاء قساوة التحدّيات التي مرّوا بها منذ سقوط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين ولحدّ الآن، اذا بالتّمييز الطّائفي والعنصري الذي كان سياسيّاً فقط يوظّفهُ النّظام السّياسي لتمزيق المجتمع واضعافهِ لفرض سيطرتهِ عليه، يتحوّل اليوم الى تمييز إجتماعي، بل اكثر من هذا فقد غارَ التّمييزُ اكثر فاكثر ليصل الى التّمييز على أساس المناطقيّة والعشائريّة والتّقليد المرجعي والولاء للزّعيم والى غيرِ ذلك.
انّها حقائقَ مُرّةٌ لا ينبغي لنا ان نتجاهلَها او نقلّل من خطورتها، ابداً، فالتّجاوز والتّغاضي في مثلِ هذه الحالات لا يغيّر من الواقع شيئاً ابداً، بل يجب علينا جميعاً ان نتحمّل المسؤولية لمواجهة هذه الحقائق المُرّة لنبحث سويّة عن حلولٍ عمليّة قادرة على قَبول التّحدّي من أجلِ التّغيير، والا فالمستقبل خطيرٌ خطير.
وأَخيراً، أودّ ان أُجيب على سؤالٍ يتردّد كثيراً على الالسن، وهو؛ ماذا نقرأ؟!.
برايي، فانّ القراءة المقصودة والمطلوبة هي التي تؤثّر على حياتنا وسلوكِنا اليومي وتساهم بشكلٍ مباشر في تغيير الحال نحو الاحسن والأفضل، فلا نقرأ خارج الزّمن، وانّ بعض ما يجب ان نهتمّ بالقراءة فِيهِ وعنهُ ثلاثة علوم؛
الاوّل؛ هو علم الادارة، فلقد ثبُت بالتّجربة ان أَحد اهم أسباب الفشل هو سوء الادارة، ليس على الصّعيد السّياسي ومؤسّسات الدّولة فقط، وانّما حتّى على مستوى الأُسرة والمستوى الشّخصي، ولذلك اعتقد انّ من الضّروري بمكانٍ دراسة وتدريس علم الادارة في كلّ مكانٍ وعلى مختلف المستويات.
الثّاني؛ العلاقات العامة، فمن أسباب الفشل عجز المرء عن التّعامل مع الآخرين، كذلك على مختلف المستويات.
الثّالث؛ علم البيان سواء كان في الّلسان، الخطابة، او في القلم، الكتابة، لنعرف كيف نسوّق انفسَنا ورسالتنا للآخر، أياً كان هذا الآخر، فلا يكفي انّك تحملُ رسالةً عظيمةً اذا لم تعرف كيف تعبّر عنها وتسوّقها للآخرين، حتى لأقربِ النّاسِ إليك!.

اترك تعليقاً