السيمر / الجمعة 17 . 02. 2017
*عبد الجبار نوري
المقدمة/ لودفيغ أنرياوس “فيورباخ” فيلسوف وعالم أجتماع ألماني 1804-1872 بافاريا / ألمانيا ، زاوج بين الأنثروبولوجيا والفلسفة التأملية في أنٍ واحد للبحث عن فلسفة المستقبل ، أي البحث عن المفقود في الأنسان ، مستعيناً باللاهوتية في أبقاء الأنسان غائباً داخلها سجيناً للوهم والخيال ، بيد أنهُ ألزم تحديث فلسفتهُ لاحقاً بالتقرب من المادية متأثراً بأفكار الشبان الهيغليين في مفهوم المادية وتبنى فكرة المادية وترويجها بيد أنهُ أخضع آراءهُ للظروف التأريخية في ألمانيا قبل الثورة العلمية للدياليكتيك ، وللواقع أصبحت آراء فيورباخ تمثل المثل العليا للديمقراطية البورجوازية الثورية ، لكونهِ لم يتغلب على الطبيعة التأملية السابقة ، فأصبحتْ مثاليتهُ واضحة وخاصة في دراسة التأريخ والأخلاق ، وفي النهاية يعد فيورباخ المفصل التأريخي بين نهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية المتمثلة ب( هيكل ) وبداية الفلسفة المادية كنتاج بشري تراكمي متمثلة ب( ماركس ) وأكد هذه الحقيقة الفلسفية أنجلز بعمق موضوعي في كتابه ( فيورباخ نهاية الفلسفة الكلاسيكية ) : أن الطريق من هيغل —إلى — ماركس— يمرْ بالضرورة عبر فيورباخ .
العرض / في أواسط سنوات الأربعين من القرن التاسع عشر ، أصبح كارل ماركس المفكر الألماني ريادياً في الدور الفكري النضالي بعد تأثره إلى حدٍ كبير بالتحركات الثورية والتي عمّتْ أوربا وأنطلاقاً من أيمانهِ بأنّ التغيير يبدأ في الشارع لا في الفكر وحده ، وخرج ماركس بنتائج عظيمة في الفكر الأقتصادي والفلسفات الروحية الواقعية وليست المثالية ، عندما أتجه منشغلاً على العائلة المقدسة في ألمانيا 1845-1846رأى أن الوقت قد حان لنقد فيورباخ فصاغ نقده بشكلٍ علمي ممنهج ودقيق وبدقة عالية متناهية بأربعة مباديء أو محاور رئيسة :1- الحياة الأجتماعية هي مسألة علمية تقوم على الممارسة . 2- أن كينونة الأنسان وصيرورته هما نتاج عمله . 3- الأنسان أجتماعي بجوهره وطبعه . 4- أن الظواهر الآيديولوجية تتوقف بمدى تعلقها على ظروف وجود المجتمع وتطوره ، وهنا فسّر ( الديالكتيك) بحلتهِ الواقعية الملموسة وبهذا المنطق الفلسفي العقلاني فنّد نواقص فلسفة “فيورباخ” والفلاسفة الكلاسيكيين في ألمانيا وخارجها ، وأعلنها نقداً فلسفياً واقعياً حداثوياً على شكل أحدى عشرة أطروحة موجهة إلى فيورباخ بالذات وهي :
*أن نظرة ” فيورباخ ” للمادية – وحتى من سبقهُ – هو أن الشيء الواقع المحسوس عرضها بشكل موضوع تأملي لا بشكل نشاط أنساني حسّي فأسطفتْ مع المثالية ، ففي كتابه ” جوهر المسيحية ” لم يعبر عن شيئٍ حقا ألا النشاط النظري قافزاً على النشاط العملي فأنه لم يدرك النشاط الثوري التقدمي ، لأن النشاط العملي يحتم على الأنسان أبراز الحقيقة المتمثلة بالواقعية الملموسة .
* أن أعتقاد ” فيورباخ ” وبقية فلاسفة ألمانيا من (الماديين) يجب أن يغيروا أعتقاداتهم السابقة عن الماديّة : بأن الناس هم نتاج الظروف والتربية ، يرد ” ماركس ” كلا — هم نسوا بأنّ الناس هم الذين يغيرون الظروف ، والمربي هو الآخر يخضع للتربية والذي يصمد ويبقى هو النشاط الأنساني العقلاني الواقعي المحسوس الذي هو العمل الثوري .
* سلط ماركس الضوء على كتاب فيرباخ ( جوهر المسيحية ) والقول لماركس : لم يبدوفي سرده شيئاً أنسانياً حقاً ألا النشاط النظري متناسياً النشاط العملي الثوري أي خلوها من العقلانية ، وصعوبة أمكانية خضوعها للممارسة الأنسانية ، ويضيف ماركس أن فيورباخ لم يوجه نقداً فيه عدم رضا عن ( الدين والمجتمع ) لأن رأيهُ عن الدين : هو ذلك النشاط بين الموجود الديني والموجود الأنساني وصوّرهُ بشكلٍ تجريدي في ذاته خارج المجتمع والتأريخ للطبيعة الأنسانية التي تتكوّنْ من مجموعة الروابط والعلاقات الأجتماعية ( الأطروحة السادسة ) .
* في الفلسفة التأملية لفيورباخ يجعل الأفراد معزولين عن بعضهم كما هو واضح في المجتمع البورجوازي ، ومفهوم المادية القديمة بنظر فيورباخ هي وجهة نظر المجتمع البورجوازي ، بينما يطرح ماركس المادية الجديدة بأعتبارها وجهة نظر المجتمع الأنساني .
* وفي أطروحاته التاسعة والعاشرة وجه نقداً للنقائض الرئيسة في مفهوم المادية السابقة بأسرها بما فيها فلسفة فيورباخ ، هو أن الشيءالواقع المحسوس لم يعرض ألا بشكل موضوع Objekt أو بشكل تأمل تخلو من نشاط أنساني حسي مع غياب الممارسة والتجربة ، في حين جعل فيورباخ موضوع نشاط الأنسان مجرد نشاط روحاني قاصر على المعرفة بدون أن يربط بين المعرفة والعمل لكي يمكن { تغيير العالم}.
أخيراً / لقد وضع العبقري الأقتصادي كارل ماركس في أطروحاته الأحدى عشرة التصوّر الجديد للمادية التي أوصلتهُ إلى مفهوم الواقع الشيوعي في العالم ، لأنّ الشيوعية لا تقوم على رؤية مثالية للمجتمع القادم بل على تحليل للحركة التأريخية وجدلية الصراع الطبقي للتنظيم الأقتصادي والأجتماعي ، وأن وسيلة تغيير العالم في تشخيصهِ للأنسان … ثُمّ الأنسان لا كما ظهر في تشخيص تحليلات ميتافيزيقية لهيغل وبرونو باور ، أو بمفهوم غامض كما عند فيورباخ ، مركزاً على الفعل العملي وليس الفعل الروحاني ، وقد كشف ماركس هذه الأفكار الواقعية العقلانية المحسوسة الحداثوية وصاغها بتنقبحٍ دقيق مع شريكه الفكري ” انجلز ” في أنجازهما الأممي { للبيان الشيوعي } 1848 تلك الوثيقة الثرّة كمعيناً للأجيال القادمة ، والذي أصبح واحداً من أكثر الكتب السياسية تأثيراً بالعالم حين قدم نهجاً تحليلياً للصراع الطبقي ، ومشاكل الرأسمالية المتعددة الرؤوس وبذلك { بشّر بشكل المستقبل الشيوعي } —-
المصادر والهوامش / *كتاب ديالكتيك الطبيعة – أنجلز – نشرة السوفييت 1925 * البيان الشيوعي 1848 * العلاقة بين الديالكتيك والأقتصاد – أنور نجم الدين . *أطروحات حول فيورباخ 1845 – ماركس * أصول الفكر الماركس – أوغست كورنو – ترجمة أحمد عبدالستار * هيغل – محاضرات في فلسفة الدين – ترجمة مجاهد عبد المنعم – القاهرة * نيتشه-ما وراء الخير والشر – ترجمة حسان بو رقيه – المغرب * كتاب فيورباخ- ماهية الدين – تأليف وترجمة د-أحمد عبدالحليم عطيه القاهره 2007 * الموسوعة السوفيتية العظمى 1969 – المحررالكسندر بروخروف
*كاتب وباحث عراقي مغترب