السيمر / الخميس 22 . 03 . 2018
صالح الطائي
عجيب كيف يبدو حديث الملحدين والعلمانيين عن المرأة أجمل ملايين المرات من احاديث أغلب المتدينين، فالعلمانيين تحدثوا عن الجمال والمساواة والحقوق والاحترام المتبادل بنفس إنساني عذب، تستشف منه معاني الإنسانية، بعيدا عن القصدية الغائية والهدف من ذلك، أما بعض المتدينين فيكاد حديثهم عن المرأة أن يدفعك إلى التقيؤ لأنه حديث مستهجن بلا حدود، لا جمال ولا احترام ولا مساواة ولا إنسانية فيه، والمصيبة أنهم نسبوا تلك الآراء إلى نبي الجمال والعذوبة والمساواة والرحمة محمد (صلى الله عليه وآله).
وهم في حديثهم التخويفي هذا ومن دون أن يشعروا، شجعوا المرأة على ارتكاب الموبقات، ودفعوها إلى الخروج على تعاليم وتقاليد الدين السمح الكريم، والا بربك ما تفهم من حديثهم عن حق الرجل على زوجته؟ هذا الحق الذي لا يشبه الحق الذي نعرفه ونعقله؟ أليس هذا ما يتضح من حديث نهار العبدي، عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أتى بابنة له إلى النبي (ص)، فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج. فقال لها: أطيعي أباك، فقالت: لا حتى، تخبرني ما حق الزوج على زوجته؟ فرددت عليه مقالتها، فقال: “حق الزوج على زوجته أن لو كان به قرحة فلحستها، أو ابتدر منخراه صديدا أو دما ثم لحسته، ما أدت حقه”!. فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج أبدا، فقال النبي: “لا تنكحوهن إلا بإذنهن”(1).
وماذا يمكن أن تفهم من حديثهم عن حقوق الزوج على زوجته، وسكوتهم عن حقوقها عليه، كما في الحديث عن عبد الله بن عمر، قال: “أتت امرأة نبي الله (ص)، فقالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على امرأته؟ قال: لا تمنعه نفسها ولو كانت على ظهر قتب.
قالت: يا رسول الله، ما حق الزوج على زوجته؟ قال: لا تصَّدق بشيء من بيته إلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة الله، وملائكة الرحمة، وملائكة الغضب حتى تتوب أو ترجع.
قالت: يا نبي الله فإن كان لها ظالما؟ قال: وإن كان لها ظالما.
قالت: والذي بعثك بالحق لا يملك علي أحد أمري بعد هذا أبدا ما بقيت”(2).
وما يمكن أن تفهم من حديثهم عن سجود المرأة لزوجها، وهي دعوة للعبودية التي رفضها الإسلام صراحة، وتمسكوا بها جهلا، في الأقل ذلك ما نفهم تلميحا له في حديث الأعمش، عن أبي ظبيان، قال: لما قدم معاذ من اليمن، قال: يا رسول الله، رأينا قوما يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟ فقال رسول الله: “لا، إنه لا يسجد أحد لأحد، ولو كنت آمرا أحدا يسجد لأحد، لأمرت النساء يسجدن لأزواجهن”(3).
إن منهج التخويف السادي هذا يسلب المرأة حقوقها وحريتها، ويسلط الرجل عليها، ويجعل العلاقة بينهما علاقة سيد وعبد لا أكثر، وهو ما قد يدفع المرأة عنوة وقسرا إلى الانحراف، لأن صلاتها وعبادتها وجميع حسناتها لن تنفعها شيئا، ما دامت ملائكة الله وملائكة الرحمة وملائكة الغضب كلها تلعنها بأمر الله تعالى لأمر تافه، قصدت من وراءه وجه الله تعالى وليس غيره، فتصدقت دون إذن زوجها! فهل يعقل يا ترى أن تنال كل هذا اللعن لمجرد أنها عملت خيرا، وأطاعت وصايا الإسلام، فتصدقت ولكن بحسن نية فلم تأخذ إذن الرجل؟ وهل يعقل أن لا تقبل لها صلاة وتتعرض إلى اللعن، وهو أمر عظيم جلل، فاللعن هو الدعاء على شخص أو أشخاص أن يبعدهم الله تعالى، ويطردهم عن رحمته، لمجرد عصيانها زوجها في أمر الصدقة الذي حث الإسلام على فعله، حتى ولو كان الزوج بخيلا متعجرفا حقيرا، فتعذب أشد العذاب؟
وهل يعقل أن رب الرحمة المطلقة يتشدد بعذاب المرأة التي تعصي زوجها، فلا ترحمها صلاة ولا صيام؟ أليس هذا ما يفهم من حديث عبد الله بن الحارث، قال: “ثلاثة لا تُجاوز صلاة أحدهم رأسه: إمام أم قوما وهم له كارهون، وامرأة تعصي زوجها، وعبد آبق من سيده(4). ومثله حديث عمرو بن الحارث بن المصطلق، قال: كان يقال: “أشد الناس عذابا اثنان: امرأة تعصي زوجها، وإمام قوم وهم له كارهون(5).
فهل يعقل أن تكون المرأة التي تعصي زوجها أشد الناس عذابا؟ وهل يعقل أن تبطل صلاة إمام الجماعة لمجرد أن المأمومين يكرهونه حتى دون معرفة الأسباب، فيدخل النار مع تاركي الصلاة، ليجد فيها كل تلك الأنواع من العذاب المر، فيعذب بأشده وأقساه؟ والمعروف حُكما أن صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة الإمام؟ ثم هل يعقل أن تبطل جميع أعمال رجل، أبتلي بالعبودية غصبا عنه، ففر طلبا للحرية، ليعذبه الله أشد العذاب؟ وإذا عذب هؤلاء الثلاثة أشد العذاب بسبب هذه الأعمال البسيطة، ماذا سنبقي للمجرمين والسفاحين والمشركين والكفار والطغاة؟ وهل يعقل أن يتساوى الثلاثة بسبب جرمهم البسيط هذا وهو ليس جرما بنظرهم مع عتاة المجرمين؟
ثم أليس من حقنا أن نسأل: أي عقيدة تلك التي تلعن فيها الملائكة المرأة التي لا تطيع زوجها في الفراش دون النظر إلى حالتها النفسية واستعدادها وحالتها الصحية وظروفها وطبيعتها وتعبها ورغبتها؟ أي عقيدة تلك التي توجب عليها أن تأتيه لتشبع نزواته وغرائزه الحيوانية حتى ولو كانت قد تمرغت بالوحل والفضلات؟ أليس هذا ما يفهم من حديث قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، قال: جلست عند نبي الله (ص) فسمعته يقول: “إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته، وإن كانت على التنور(6). وإذا تأخرت عنه لأحد الأسباب، لعنتها الملائكة طوال الليل. وهذا ما يفهم صراحة من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح”(7). مدعين أن ذلك من حقوق الرجل الشرعية على زوجته. هذه الحقوق الغريبة المستهجنة التي وصلت إلى درجة أن الأعمش نقل عن إبراهيم قوله: كانوا يقولون: “لو أن امرأة مصت أنف زوجها من الجذام حتى تموت ما أدت حقه”(8). ولكن لائحة الحقوق الذكورية هذه لم تذكر ولو كرامة واحدة للمرأة من سنخ تلك الكرامات بالرغم من كون الكثير من الرجال لا يصلون إلى أدنى درجات شرف المرأة وعفتها ونظافتها. والأشد نكاية وإيغالا في التهريج أنهم تهاونوا مع الرجل، وهونوا أخطاءه وكبائره لمجرد أنه رجل! أليس هذا ما يفهم من حديث علقمة، عن عبد الله، جاء رجل إلى النبي(ص)، فقال: يا رسول الله، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن آتيها، فأنا هذا، فأقض فيَّ بما شئت. فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي شيئا، فأنطلق الرجل، فأتْبعَه رجلا، فدعاه، فتلا عليه هذه الآية {أقم الصلاة طرفي النهار}، فقال رجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: “لا، بل للناس كافة”(9). وكم هو غريب أن تجدهم يشرِّقون ويغرِّبون بهذا الحديث وكأنهم يسعون إلى ترسيخه في نفوس وعقول المسلمين، ففي رواية أخرى عن موسى بن طلحة، عن أبي اليسر بن عمرو، قال: أتتني امرأة؛ وزوجها بعثه النبي (ص) في بعث، فقالت: بعني بدرهم تمرا، قال: فأعجبتني، فقلت: إن في البيت تمرا هو أطيب من هذا فألحقيني. فغمزتها، وقبلتها، فأتيت النبي، فقصصت عليه الأمر، فقال: خنت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بهذا. وأطرق عني، فظننت أني من أهل النار، وان الله لا يغفر لي أبدا، فأنزل الله تعالى:{أقم الصلاة طرفي النهار} الآية، فأرسل إليَّ النبي فتلاها علي” (10).
وفي رواية ثالثة عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر بن الخطاب، فقال له: إن امرأة جاءتني تبايعني فأدخلتها الدَّوْلج، (والدولج بيت في الأرض لا منفذ له، أو هو بيت صغير وسط بيت كبير)، فأصبت منها كل شيء إلا الجماع، قال: ويحك بعلها مُغيب في سبيل الله؟ قلت: أجل، قال: ائت أبا بكر، فأتاه، فقال مثل ما قال لعمر، ورد عليه مثل ذلك، وقال: ائت رسول الله فأسأله، فأتى رسول الله، فقال مثل ما قال لأبي بكر وعمر، فقال رسول الله: بعلها مغيب في سبيل الله؟ فقال: نعم، فسكت عنه، ونزل القرآن: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات} فقال الرجل: إلي خاصة يا رسول الله أم للناس عامة؟ فضرب عمر صدره، وقال: لا ولا نعمة عين، ولكن للناس عامة، فضحك رسول الله، وقال: “صدق عمر”(11).
وفي رواية أخرى، أن معاذ بن جبل كان قاعدا عند النبي (ص)، فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال: “توضأ وضوءً حسنا، ثم قم فصل”. قال: فأنزل الله تعالى هذه الآية: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} إلى آخرها، فقال معاذ بن جبل: أهي له خاصة أم للمسلمين عامة؟ فقال: بل هي للمسلمين عامة” (12).
وأنا واقعا لا أعجب من كل ذلك، فالذي يملك الجرأة ليروي عن رسول الله (ص) حديثا يدعي أنه حديث صحيح، وفعل نبوي تعليمي إرشادي، يتبين من خلاله أن امرأة جميلة مرت من أمام رسول الله(ص) في الطريق، فنظر إليها ، ونسى أنه أبو هذه الأمة وسيد الاستقامة، فأثارتْ غرائزه الجنسية، فذهب إلى بيته، واتصل جسديا بزوجته زينب التي وجدها تمعس منيئة، أي تنظف وتدبغ جلد شاة، أي أن القذر كان عالقا بيديها وجسمها، ورائحة ذلك الجلد القبيحة تفوح منها، ومن ثم خرج إلى المسلمين، وأخبرهم بما فعل، ليرشدهم إلى كيفية التصرف في حالات الإثارة الجنسية.
لقد سبق لي ودرست وامتحنت هذا الحديث في أحد مؤلفاتي، وسأورده هنا عن صحيح مسلم، مع ذكر أغلب المصادر التي أوردته، ووقعت تحت يدي في حينه، جاء الحديث عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله(ص)، رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة(13) لها، فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: “إن المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه”(14).
وانا بعد أن اطلعت على كل تلك الوصايا والأقوال، استغربت كثيرا من قول غوستاف لوبون: “أخذ الغرب عن المسلمين أخلاق الفروسية واحترام المرأة”(15)، فالرجل إما أن يكون جاهلا بهذه الحقائق، أو انه لم يطلع عليها، لأنه يستحيل أن يجاملنا بمثل هذا القول مع علمه بما قلناه عن المرأة في موروثنا الثقافي والعقدي، وهو في واقعه بعيد كل البعد عن الإنصاف والعدالة، بعد أن قام بعض ذوي النفوس المريضة بإخفاء الحقائق، واختلاق مثل هذه الآراء التي لا تمت إلى الدين القويم بصلة!.
من هنا أتمنى أن يبدأ المسلمون بإعادة النظر بجميع موروثهم وتنقيته من هذه الوهاد المتعرجة الخطرة التي تسيء إلى رونقه وبهائه وجماله، بدل أن نتركها مواطن يتندر بها أعداء الدين، ويطعنون من خلالها بعقيدتنا التي نحبها ونحترمها ونقدسها.
الهوامش
(1) ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، المصنف، دار الفكر، بيروت، 1414هـ ـ1994م. ج3/ص396ـ397.
(2) ابن أبي شيبة، المصدر نفسه، ج3/ص397، حديث: 1591.
(3) المصدر نفسه، ج3/ص397
(4) المصدر نفسه، ج3/ص398.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه، ج3/ص 398ـ399.
(7) المصدر نفسه، ج3/ص397.
(8) المصدر نفسه، ج3/ص398.
(9) ينظر: الواحدي النيسابوري، أبو الحسن علي بن احمد، أسباب النزول، دار الكتب العلمية، بيروت، ص272، تفسير سورة هود. والحديث رواه مسلم عن يحيى، ورواه البخاري من طريق يزيد بن زُريع.
(10) الواحدي النيسابوري، المصدر نفسه، ص273.
(11) المصدر نفسه، ص273ـ274.
(12) المصدر نفسه، ص274.
(13) تمعس منيئة: أي تدبغ جلدا، والمعس: الدلك، والمنيئة: الجلد ما كان في الدباغ.
(14) مسلم، صحيح مسلم، باب: ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، كتاب: النكاح، حديث رقم: 1403. وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج22/ص 407، وأبو داود في السنن، رقم الحديث: 2151، والترمذي في السنن، رقم الحديث: 1158، والنسائي في السنن الكبرى، ج8/ص235، وابن حبان في صحيحه، ج2/ ص384، وج12/ص385، والطبراني في المعجم الكبير، ج34/ص50، وأورده في المعجم الأوسط، ج3/ص34، والبيهقي في السنن الكبرى، ج7/ص90، والدولابي في الكنى والأسماء، ج3/ ص1192، وكثيرون غيرهم.
(15) لوبون، غوستاف، حضارة العرب، ص338.