السيمر / الثلاثاء 12 . 06 . 2018
عبد الجبار نوري
صدر للباحث أحمد علي الربيعي كتاب ” مكرم الطلباني ” ودورهُ السياسي والفكري في العراق 1923 – 1979 ورؤاه السياسية والأقتصادية في الأصلاح الزراعي في العراق ب480 صفحة – بغداد 2008 ، وهو كتاب قيّمْ وثر وثري بمجمل مواده ومدونات الكاتب والباحث المتألق أحمد الربيعي في تدوين منجزات الوزير الشيوعي الأسبق ” مكرم الطلباني مواليد 1923 ، وسوف أكتب في أحدى مفاصل البحث وهي منجزات الأستاذ مكرم في الأصلاح الزراعي في العراق .
هو مكرم شيخ جمال الطلباني أكاديمي عراقي 1923 ولادة كفري من كركوك ، هو وزير الري الأسبق ، وقيادي بارز في الحزب الشيوعي العراقي نال شهادة الحقوق من بغداد عام 1946 ، مارس مهنة المحاماه في مدينة كركوك وكان من ضمن فريق المحامين العراقيين للدفاع عن الزعيم الشيوعي يوسف سلمان يوسف الملقب ( فهد ) ورفاقه زكي بسيم وحسين الشبيبي في العام 1947 ، تعرض في العهد الملكي للسجن والنفي والأقامة الجبرية ، وبعد أعلان الجمهورية الأولى 1958 عين مديرا عاما في دوائر الدولة حتى مجيء أنقلاب شباط عام 1963 أعتقلته قوات الحرس القومي وحكمت عليه بالسجن ل3 سنوات ثم بعد مفاوضات ميثاق العمل الوطني الجبهوي بين الحزبين البعث والشيوعي عُيّن وزيرا للري مع السيد عامر عبدالله وزيرا بلا وزارة سنة 1972 ، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه من الأتحاد السوفييتي في العلوم الأقتصادية في رسالته ( الأصلاح الزراعي والتطورات الأجتماعية في الريف العراقي 1973 ) ولهُ رسالة دكتوراه ثانية في موضوع ( أزدواج الملكية في بلاد الرافدين ) أيضا من الأتحاد السوفييتي 1975 ، مكرم الطلباني حالة خاصة لها ظروفها الأستثنائية شيوعي صادق وشجاع .
الأصلاح الزراعي Agrarain Reform هو مجموعة من الأجراءات التشريعية والتنفيذية التي تقوم بها السلطات العامة لأحداث تغيرات أيجابية في الحقوق المتعلقة بالأراضي الزراعية من حيث ملكيتها وحيازتها والتصرف بها ، لينجم عن هذه التغيرات ألغاء أحتكار الأرض الزراعية أو تقليصه وضمان توزيع أكثر عدالة في ( الثروة والدخول ) ويتم ذلك عن طريق رفع حد أعلى للملكية الزراعية الخاصة ، ولا يجوز تخطيه ، والأستيلاء على ما يتجاوز هذا الحد من أراضٍ وتوزيعها على فقراء الفلاحين المستحقين وفقا لشروط وأوليات تختلف بأختلاف الأوضاع السياسية والأقتصادية والسكانية والأجتماعية لكل بلد ، والأصلاح الزراعي بهذا المفهوم المحدد الأكثر شيوعاً والذي يركز على توزيع الأرض Land diatribation reform أي على تحقيق العدالة وفتح الطرق أمام تحرير الفلاحين أقتصاديا وأجتماعيا وسياسيا والتقليل من سطوة الأقطاع والشبه أقطاع أو العمل على أضمحلاله ، وكذلك يعني فلسفة الأصلاح الزراعي بمعالجة سوء توزيع الثروة في الريف بما في ذلك الأراضي الزراعية التي تعتبر من عناصر الأنتاج الرئيسة ومصدر المعيشة والرزق ، وتطور مفهوم الأصلاح الزراعي أخذ ينحو بأتجاهين الأول / مفهوم الأصلاح الزراعي القديم الذي يؤكد على أعادة توزيع حقوق التصرف في الأراضي الزراعية ويقصد هنا تطبيق قانون رقم 30 لسنة 1958 ، والثاني/المفهوم الأصلاحي الحديث المعولم العصري الذي يتضمن أعادة بناء أقتصاد المجتمع الريفي بكامله لتحسين وضع الفلاحين ورفع مستواهم المعاشي وتغيير العلاقات الأنتاجية .
عالج الكتاب مواقف مكرم الطلباني الفكرية والسياسية من قيام ثورة 14 تموز 1958 لاسيما من قانون الأصلاح الزراعي في العراق رقم 30 للعام 1958 ، فكان دورمكرم الطلباني المهني صار واضحاً عند أستلامه حقيبة وزارة الري والنقل 1972- 1979
-برزت مهنية وزير الري مكرم الطلباني في معالجة شحة مياه نهر الفرات وأنجاز المشاريع الأقتصادية لتهيئة الزراعة بشكلٍ أفضل في العراق ، فضلاً على أصراره على تنفيذ أكبر مشروع ( الثرثار ) في الشرق الأوسط ، والذي يؤدي إلى درأ خطر الفيضانات عن حوض نهر دجلة يمكن تفريغ قسم كبير من المياه في بحيرة الثرثاروتغذية نهر الفرات بالكميات المطلوبة من المياه من هذه البحيرة وانجز المشروع سنة 1976 بفضل الجهود المضنية لمكرم ومساعدة الأتحاد السوفييتي ودوره في أيجاد الحلول لأزمة مياه الفرات الذي لعب دور الوسيط بين العراق وسوريا وتركيا خلال علاقته الوطيدة مع الرئيس التركي سليمان دمرل والرئيس السوري حافظ الأسد ، وأقامة التعاون الأقتصادي مع البلدان الأشتراكية ولا سيما مع الأتحاد السوفييتي خلال دوره في جمعية الصداقة العراقية – السوفيتية ، ومن الملاحظ أن مكرم الطلباني لم يركز على التجربة السوفيتية والبلدان الأشتراكية في تطوير القطاع الزراعي بل مع دول أوربا وبالأخص مع فرنسا
– وضع الوزير منهاجا تشمل خطة شاملة لمشاريع مهمة لعام 1973 – 1974 مستنداً على ناحيتين مهمتين في مجال الري ومشاريع (التخزين) للزراعة والوقاية من الفيضانات والتغلب على التقلبات المناخية في المناطق الزراعية التي تعتمد على الأمطار ، أستخدم مكرم مركزاً للبحوث المائية في وزارة الري ، معتمدا في أنجاز المشاريع الأروائية على بناء السدود والنواظم وعلى الشركات الأجنبية والمقاولين المحليين العراقيين ، ونفذ مشروع ناظم الكسارة وممر للملاحة على نهر دجلة ضمن محافظة ميسان الذي يضمن الملاحة بين بغداد والبصرة ، كما عمل على تبطين بعض قنوات المشاريع الأروائية منها مشروع الأسحاقي ومشروع ضخ الرزازة ومحطة ضخ البزل رقم 2 لمشروع بزل الحلة – الديوانية .
– قام بأنشاء مديرية عامة للدراسات والتصاميم تأخذ على عاتقها أجراء الدراسات والبحوث والتحريات ووضع الخطط العملية للري وأعطاء الأولويات لغرض أعادة تنظيم الري وأنشاء شبكات البزل والمشاريع الزراعية بتطبيق المزارع الكثيفة Plantaion والمطبقة في دول الغرب بنجاح والتي تعتمد تهيئة مستلزمات الزراعة الحديثة في البذور المحسنة والمكننة الزراعية والأسمدة العضوية والكيمياوية والري بالتنقيط ، أقام مشاريع ضخمة للري بتنفيذ مشترك مع شركات روسية وخلق فرص عمل كبيرة للعاطلين
– أن سوء توزيع الأرض الزراعية وسوء أستغلالها كانا يؤلفان عشية صدور قانون الأصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958نموذجاً سيئا صارخا للأقطاع وجشعه وقصوره حيث كان 2% فقط من الملاك يملكون 68% من الأراضي الزراعية ، كان شخصان في العراق تجاوزت حيازة كل منهما مليون دونم عراقي ( الدونم =2500 م2 ) وأسر المستشيخة والبارزةفي أستغلال الأرض والفلاح وامتصاص جهوده وما سموهم بالشبه أقطاعي هم : عائلة الجاف والشيخ محمود البروزنجي وعائلة آل ياسر والفرحان والأمير والجلبي وعائلة الملك المزاح وعائلة القصاب والياور والخضيري وأل مرجان وآل جريان والسهيل والدنبوس في الكوت وعائلة الشيخ عريبي والشيخ مجيد لبخليفة في لواء العمارة .
وأعتدّ القانون نموذجا أيجابياً لأحدى مكتسبات ثورة 14 تموز 1958 الذي وضع الحد الأعلى للملكية الزراعية قدرهُ الف دونم في الأراضي المروية وألفي دونم للأراضي المطرية ، ونصّ توزيع الأراضي ابمعدل 30- 60 دونم للأسرة في الأراضي المروية ومثليها في الأراضي المطرية ، وشمل القانون 2400 مالك بلغت مساحة الأراضي والخاضعة للأستيلاء 26/11 مليون دونم أي نحو 7-48 من أجمالي المساحة المزروعة البيانات ، وتعثر القانون في السنوات الأولى نتيجة بعض المشاكل الناجمة عن نقص البيانات وقصور في التخطيط وفي خبرة الأجهزة ، وفي 1970 ألغي القانون من قبل أنقلابيي 63 وحلّ محله قانون في الأصلاح الزراعي رقم 117 لسنة 1970، الذي جعل الحد الأقصى للملكية الزلراعية بين 40-2000 دونم وذلك باختلاف أنتاجية الأرض ومصدر الري ، والقانون الجديد من سلبيات وأستلابات انقلاب 63 الذي ألغى جميع فقرات قانون الأصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 وما تبعه من قوانين مكملة بشكل ملاحق ، فأنصبت جهود الوزير مكرم الطلباني على التعامل مع القانون الجديد بالأهتمام بعناصر الزراعة الري والتربة والاسمدة والمكننة والأدارة والخبرة الزراعية الحديثة ، وأصبح الوزير مكرم مكبل الخطى محبط ومحدد بالقانون التعسفي والثأري لحكومة البعث حتى نُقل وزيرا لوزارة النقل .
وأخيرا / أن الثلاثين من أيلول ذكرى صدور قانون الأصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 1958 ندعو الحكومة العراقية الجديدة أن تعيد العمل بالقانون التقدمي المذكور وتطبيقه على الريف الزراعي ، والوقوف وقفة جادة في دراسة وضع الريف العراقي وما يعانيه من سلبيات مدمرة حيث تلازمها الهجرة المستمرة إلى المدن ، وأن الريف العراقي هش وأبعد من قاموس حكومات ما بعد 2003 ، ونحن بحاجة لوزير كشخصية مكرم الطلباني في أخلاصه وصميمية عراقيته وخبرته العلمية في حقل الزراعة .
هوامش ومصادر/
صلاح وزان – الأصلاح الزراعي – الموسوعة العربية
كتاب مكرم الطلباني –أحمد علي سبع الربيعي –رؤى الوزير في الأصلاح الزراعي
مكرم الطلباني –الأصلاح الزراعي في الريف العراقي 1973
مذكرات باقر أبراهيم – مقالات في مجلة الثقافة الجديدة وطريق الشعب 78 – 79
مجلة دراسات في التأريخ والآثار- دور مكرم الطلباني في وزارتي الري والنقل
كاتب وباحث عراقي مقيم في السويد
في 12 حزيران2018