السيمر / الاثنين 17 . 09 . 2018
معمر حبار / الجزائر
راسلت زميلنا الأستاذ اللبناني “عاصم” Assi Abdul Hussein، وزميلنا الأستاذ العراقي مصطفى العمري، قائلا: “السّلام عليكم: أحاول هذه الأيام أن أكتب مقال حول “احترام عادات المجتمعات من خلال عاشوراء”، أبيّن فيه ضرورة احترام الغير، وعدم التدخل في شؤونه حتّى لو كان هناك اختلافا جذريا لا يقبله المرء لنفسه. وأطلب منك مساعدتي في الموضوع بما تراه مناسبا و كفيلا لتعزيز الاحترام. تحياتي وتقديري”.
تلقيت من الأستاذين الكريمين ردّا جميلا، يعبّر بصدق عن الحرقة التي يعيشها العربي ممّا آل إليه الوضع، وأنّ المغرب والمشرق العربي يسعى لاحترام الآخر في عاداته وتقاليده ويحافظ كلّ منهما على ما يميّزه ويحفظه، وعليه أقول:
حين هاجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة رأى اليهود يصومون عاشوراء فصام عاشوراء. ولا يريد صاحب الأسطر أن يدخل في التفاصيل لأنّها ليست غاية المنشور، وليحترم كلّ منّا تفاصيل الآخر دون أن يعيب أحد على أحد.
تكمن النقطة الأساسية في كون سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم احترم عادات اليهود في صوم عاشوراء، كما احترم من قبل ومن بعد بعض عادات عرب الجاهلية. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يفرض عاداته على اليهود وهو الفاتح القوي والذي يملك بجانبه الأنصار أصحاب الأرض والمهاجرين، ولم يحرّض الأنصار ولا المهاجرين ضدّ عادات وتقاليد اليهود، ولم يقل لهم: يكفي أنّكم تصومون شهر رمضان فلا داعي أن تصوموا عاشوراء الذي تصومه اليهود، ولم يفرض على المجتمع الجديد صياما واحدا ويلغي صيام عاشوراء الخاص حينها باليهود.
والمتتبّع لما يحدث في المجتمعات العربية يجد اختلافا كبيرا في كيفية التعامل مع عاشوراء ومناسبات أخرى بدرجات متفاوتة من حيث التجانس والاختلاف. وأتذكر جيّدا أنّ بعض إخواننا الأعزّاء الكرام في عراقنا الحبيب عاتبوني بشدّة لأنّي كتبت ذات يوم مقال وأنا أصف احتفال الجزائريين بيوم عاشوراء لأنّه يوم عطاء وتوسعة على العيال وإدخال الفرحة على الفقراء والمساكين وإخراج الزكاة، فعاتبوني بقولهم: كيف تفرحون بعاشوراء ونحن نبكي مقتل سيّدنا الحسين رحمة الله عليه ورضي الله عنه وأرضاه.
المطلوب إذن، احترام عادات وتقاليد المجتمعات دون التدخل في خصوصياتها ولو رفض المرء بعض المظاهر التي تميّز عاشوراء – مثلا – ، كالمشي على الجمر، والنباح، وإسالة الدماء من الكبار والرضع والصغار وغير ذلك مما يسئ لسيّدنا الحسين رضوان الله عليه، وفي نفس الوقت أحترم الغير لو انتقد عاداتي وتقاليدي في إحياء يوم عاشوراء أو مناسبة أخرى. وأنقل في هذا المقام ما ذكره لي زميلنا الأستاذ العراقي مصطفى العمري: “من حقنا كمتابعين للمشهد أو المنتمين للمذهب أن ينتقدوا هذه الممارسات على سبيل الإصلاح و التهذيب لا على نية البغض و الكراهية”.
إنّ العراق – كمثال – مجتمع عريق عمره بعمر الكون له تقاليده وعاداته، و وجب على المرء أن يحترمها ولا يتدخل فيها وإن اختلف معها ورفض بعض مظاهرها، فلا يعقل بحال أن يسبّ ويشتم العراقي لأنّ عاداته وتقاليده في إحياء عاشوراء تختلف مع الآخر، ويستحضر صاحب الأسطر ما ذكره لي زميلنا الأستاذ اللبناني “عاصم” Assi Abdul Hussein ، قائلا: ” علينا أن نفصل بين الجوهر وبعض الممارسات”. وأضيف: الجوهر بما يناسب المقام هو احترام عادات المجتمع الآخر وعدم التدخل فيه ولو كان المرء يرفض بعض الممارسات التي تبقى من شؤون أهل البلد.
لا يمكن لأحد أن يدّعي أنّ عادات مجتمعه هي الأفضل والأحسن، وما دام الأمر كذلك فلا داعي للاستهزاء بعادات المجتمعات الأخرى وإن كان المرء يرفضها ولا يقرّها، فأصبح لزاما إذن احترام الآخر وعدم التدخل في عاداته ولو رفضها واستهجنها في داخله.