الرئيسية / مقالات / غزوة بدر.. دروس وعبر

غزوة بدر.. دروس وعبر

السيمر / السبت 08 . 12 . 2018

معمر حبار / الجزائر

الدّارس لغزوة بدر يمكنه أن يقف على جملة من الحقائق والملاحظات، يمكن حصرها لغاية كتابة هذه الأسطر، في التّالي:
1. ميزة موقع المدينة في أنّه يتحكم في طرق تجارة قريش، وهجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمدينة وتحكّمه في تجارة قريش، أضرّ كثيرا بقريش وبتجارة قريش، باعتبار قريش تعتمد وبشكل كبير على رحلتي الشتاء والصيف، وتخليد الرحلة في القرآن الكريم يدلّ على ذلك دلالة واضحة.
2. حين سمع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعير قريش، أعلن النفير بين أسيادنا أصحابها، وحبّب إليهم اعتراض القافلة دون أن يأمرهم بذلك. فأسرع بعضهم للقافلة، واكتفى بعضهم بالمكوث دون التحرّك.
3. قد يقول قائل: ماذا فعلت عير قريش وهي قافلة تجارة وليس جيشا محاربا حتّى يعترض لها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم؟ والجواب على ذلك، أنّ قوّة قريش وهي العدو في القافلة والطرق المؤدية إليها ، وقريش تحارب المسلمين بالقافلة وما تحتويه. إذن هي بالمفهوم العسكري ليست قافلة إنّما هدف عسكري مشروع، لأنّه أداة من الأدوات القوية الفاعلة التي يستعملها العدو أي قريش في محاربة المسلمين، وتجويعهم، وقهرهم. من جهة ثانية: سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأسيادنا الصحابة حين هاجروا إلى المدينة، لم يأخذوا معهم إلاّ أجسادهم العارية، والأرجل الحافية، والبطون الجائعة التي لا تقوى على المشي والوقوف، لأنّ قريش أي العدو سلبت منهم رزقهم، وتجارتهم، وأموالهم، ومساكنهم، بل إنّ البعض كسيّدنا صهيب الرومي رضوان الله عليه، دفع مبلغا من المال وما يملك من متاع لقريش حين اعترضت طريقه وهو يتأهب للهجرة، مقابل أن تأذن له بالهجرة دون أن تعترض طريقه، وهي تعلم أنّه الرامي الذي لايخطىء سهمه هدفه أبدا، ما يعني أنّه اشترى هجرته وسلامته وسلامة جسده. وحين وصل المهاجرين من مكّة إلى المدينة، لم يكن لهم السّقف، ولا الدينار ، ولا اللّباس، ولا النعل، ناهيك عن الرزق والتجارة. إذن: محاولة اعتراض المسلمين لقافلة قريش يندرج ضمن محاولة استرجاع مايمكن استرجاعه من الرزق الذي نهبته قريش وسطت عليه في وضح النّهار، فهي إذن محاولة شرعية مقبولة في عرف الدول، وفي عرف الضعيف، والمظلوم الذي يسعى لاسترداد بعض حقوقه حين تساعده الظروف على ذلك.
4. انقسام المسلمين إلى قسمين في تعاملهم مع قافلة قريش، أي فريق سعى للاستيلاء على القافلة، وفريق فضّل المكوث في المدينة، يدلّ على أنّ المجتمع الفتي لم تكن الحرب ضمن حساباته وإلاّ لاستعدّ لها من أوّل يوم، ما يعني الدولة الفتية ليست دولة عدوانية، إنّما هي دولة مسالمة لا تتعدى على أحد، وتسعى للحصول على حقوقها، وخيراتها، ومكتسباتها التي استولت عليها قريش.
5. حين علم أبو سفيان أنّ المسلمين في المدينة يريدون الاستيلاء على قافلة قريش التي يرأسها، غيّر مجرى الطريق، ونجح في سلامتها وتأمينها. ما يدفعنا إلى القول، أنّ براعة أبو سفيان في كونه تاجر يحسن البيع والشراء، وفي كونه خبير بالطرق الوعرة التي أنقذت حياة قريش، باعتبار القافلة بالنسبة للعرب ولقريش حياة تستحقّ المغامرة، سواء كان الاستيلاء عليها من طرف المسلمين، أو ركوب أصعب الطرق وأخطرها كما فعل أبو سفيان. وتكمن مهارة قريش في كونها وضعت على رأس قافلة وهي بمثابة شريان الحياة للقبيلة كلّها، رجلا يعرف جيّدا قيمة التجارة، وعدم المخاطرة بها، وأنّ حياته وحياة قريش في القافلة أي في القوّة الاقتصادية بالتعبير المعاصر.
6. حين علمت قريش بسلامة القافلة أي بسلامة حياتها، قرّرت خوض الحرب. ويبدو لي ، أنّ قافلة قريش لو تعرّضت للاستيلاء من طرف الدولة الفتية في المدينة، لامتنعت قريش عن الحرب، أو على الأقلّ لما خاضت الحرب بتلك السّرعة والجاهزية، لأنّه حينها ستكون ضعيفة اقتصاديا، وتجاريا، وماليا، وبالتّالي عسكريا. وحين ضمنت أنّ القافلة في مأمن، أي أصبح لها قوّة اقتصادية، وتجارية تحمي ظهرها، وتعينها على حمل متاعب الحرب، فضّلت خوض الحرب بتلك السّرعة والجاهزية الملفتة للنظر.
7. بعدما ضمن أبو سفيان أنّ القافلة في مأمن، أرسل لقريش أن لا تدخل الحرب، لأنّ حياتها في حياة القافلة وقد نجت القافلة، عارضه كبار قريش من السّاسة والعسكريين وفضلّوا خوض الحرب، وهم “متيقّنين !” أنّ النصر سيكون حليفهم. وهذا يقود المتتبّع إلى القول، أنّ: التّاجر ورجال الأعمال وأصحاب المال يفضّلون السّلم على الحرب، لأنّ رأس المال كما يقول أصحاب المال، جبان يخاف الحروب، ويخاف المغامرة. ووجب التأكيد في هذا المقام على نقطة مفادها: أنّ قرار الحرب لم يكن لرجل الأعمال أبو سفيان، وكان للسّاسة والعسكريين بعدما تيقّنوا أنّ القافلة أي القوّة الاقتصادية والمالية في مأمن. إذن قرار الحرب كان بعد ضمان سلامة القوّة الاقتصادية، لأنّ الحرب تعتمد فيما تعتمد على القوّة الاقتصادية والتجارية، والدول الآن في عصرنا ترفض الدخول في الحرب ليس عن قلّة سلاح أو ضعف في الأسلحة، إنّما عن التّكاليف الاقتصادية التي تتطلبها الحرب من حيث المنطلق والآثار العميقة الكبيرة.
8. استشار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أصحابه في شأن خوض الحرب ضدّ قريش، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلّحة ، ورئيس الدولة الفتية، بعدما تأكّد أنّ قافلة قريش أصبحت في مأمن، ولم يعد بالإمكان اللّحوق بها والسّيطرة عليها. وشملت الاستشارة المهاجرين وهم الأكثر ضررا ممّا تعرّضوا له من نهب، وسطو، واعتداء على يد قريش، والأنصار باعتبارهم أصحاب الأرض، وهم الذين طلبوا من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يهاجر إليهم، ويترك لأجلهم الدار، والأهل، والأقارب. لم يرد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إقحام المهاجرين وخاصّة الأنصار في حرب إلاّ بعد استشارتهم، حتّى لا يقال له: فرضت علينا حربا لم نكن نريدها، بل الحرب كانت بموافقة الجميع، أي بموافقة المهاجرين وأصحاب الأرض من الأنصار، وبهذه الاستشارة تحقّقت الغاية السّامية للحرب، وهي إرادة المجتمع وبموافقة الجميع، وتلك من عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
9. التحدّث عن استشارة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه، تقودنا إلى الحديث عن طبيعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمتمثّلة في كونه من جهة: رسول يوحى إليه، فلا يناقش في أمر السّماء، وبشرا كغيره من البشر يستشير من حوله، ويستشير أهل المشورة كما حدث في اتّخاذ قرار الحرب، بل يناقشه غيره في رأيه الشخصي صلى الله عليه وسلّم، ويتنازل عنه ويتراجع عنه، كبشر وقائد عسكري، كما حدث في تغيير المكان قبل بدء غزوة بدر. وأسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، كانوا يدركون طبيعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، باعتبارهم: لا يناقشونه أبدا في أمر الوحي، ويناقشونه ويعرضون عليه أفكارهم حين يعلمون أنّ تصرّفه صلى الله عليه وسلّم في هذه الحالة أو تلك نابعة من طبيعتة البشرية التي تخضع للنقاش، وليس طبيعتة كرسول مؤيّد بالوحي لا تقبل أبدا النقاش. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعرف من غيره بطبيعته، فهو: لا يتدخل في شؤون النّاس حين يتعلّق بطبيعته البشرية، ويصرّح لأصحابه: “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”، وفي نفس الوقت يصمد ويثبت ولا يتراجع أبدا حين يتعلّق الأمر بوحي السّماء، ويعلنها صريحة مدوية: ” ما كان لنبي إذا لبس لأمته للحرب أن يخلعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه “. معلنا بذلك أنّ الله تعالى أمره بالحرب، ووجب التنفيذ فورا ودون نقاش، لأنّ طبيعته صلى الله عليه وسلّم كرسول، تفرض عليه أن يلبي ويمتثل فورا وحالا.
10. طبيعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم المتمثّلة في بشريته ورسالته، تقودنا إلى أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم مؤيّد من ربّنا عزّوجل بمعجزات في حياته، وغزواته، ومع أحبابه، وأعدائه، كعلامة تثبيت، ودعم، وصدّ، وراحة نفس. والمعجزة إذن، من أركان النبوة والرسالة التي يجب الإيمان بها، والاعتقاد بها في الزاوية الخاصة بالمقصد الذي أنزلت لأجله. وفي نفس الوقت فإنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتعامل في حياته اليومية، والزوجية، وغزواته، وأحبابه ببشريته، فتكسّر رباعيته، ويتّخذ الخطط العسكرية، ويسأل عن أمور، ويتراجع عن قرارات، ويجوع، ويعطش، ويصيبه ما يصيب الزوج، والصّاحب، والقائد، والمسافر، والمريض.
11. دخلت الدولة الفتية الحرب في غزوة بدر وهم على غير استعداد من حيث العتاد، والسّلاح، والرجال، والخيول، والإبل، وميزان القوّة يميل بشكل كبير لقريش. قد يقول قائل: هذه مغامرة ما كان للمسلمين أن يخوضوها، فلا يعقل أن تواجه 314 جندي بـ 900 إلى 1000 جندي من قريش، و2 حصانين بـ 70 حصان من قريش، ناهيك عن الإبل، باعتبار يومها كانت الخيول والإبل بمثابة المدرعة والدبابة في عصرنا. والجواب على ذلك، أنّ المظلوم من انتزع حقّه، وسلبت خيراته، وانتزعت أرزاقه من بين يديه على يد لصّ معتد في وضح النّهار، أن يسترجع حقوقه بما استطاع وأن لا يلتزم الصّمت، فإنّ ذلك معين لمن اعتدى عليه، ومشجّع له على الاعتداء. ثمّ إنّ المسلمين وهم يستحضرون ماحدث لهم على يد قريش من نهب، وسطو، واعتداء واحتقار، أشعل فيهم وبينهم حماسا لاسترجاع الحقوق، لا يمكن بحال أن توقفه جيوش الروم والفرس يومها. إنّ الشّعور بالظلم، والاعتداء، والسّطو يدفع المظلوم أن يسترد حقوقه من المعتدي عليه ولو كان يفوقه 3 مرات، ويفوقه مرّات كثيرة في العتاد.
12. انتهت غزوة بدر بهزيمة شنيعة نكراء لقريش، وكانت الهزيمة قاسية مؤلمة على قريش، والسبب في تقديري، يكمن في كون قريش دخلت المعركة وهي جازمة متأكّدة أنّها المنتصرة، وشنّت الحرب وهي تركب غرورها أمام الضعفاء من المسلمين. ومن دخل أيّة معركة فكرية، أو سياسية، أو إقتصادية، أو عسكرية، أو تجارية، أو علمية، أو حضارية، وهو متشبّع بالغرور، مستصغرا خصمه ومنافسه، كانت نتيجته الهزيمة، والإذلال، والإدبار، ولو تفوّق على خصمه، ومنافسه، وعدوه من حيث العتاد، والرجال، والاقتصاد، والمال، والأعمال، والدين، والحضارة. وللنصر قواعد ثابتة، منها احترام الخصم، والمنافس، والعدو، ولو كان ضعيفا، صغيرا. هزيمة قريش كانت معنوية قبل أن تكون مادية، وهي المتفوّقة ماديا، وبشكل كبير، وغير قابل للمقارنة.
13. الغرور مؤداه الهزيمة ولو كان صاحبه يملك كلّ شيء. وحسن تسيير الرجال والعتاد والوقت والمكان، من عوامل النجاح والنصر ولو كانت قليلة، وتلك من عظمة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

اترك تعليقاً