السيمر / الأربعاء 06 . 02 . 2019
واثق الجابري
هيمن الفساد على كثير من مفاصل الدولة، ومجرد تشكيل مجلس لمكافحته، هو إعتراف أن هناك إرادة سياسية تحرك أذرعه، وقوى خرجت بالضجيج معترضة كالذباب من عش كسرت بابه.. وإن الهيئات الرقابية صدرت شهادة وفاتها، بعد أن أزكمت الأنوف بنتانة روائحها، ولا حل سوى دفنها! هنالك منتفعون من الفساد، لا يروق لهم تشديد خطوات محاربته وتفعيل الدور الرقابي، وهناك متضرر أكبر هما الدولة والمواطن. الفساد دولة تملك المال والنفوذ والسلاح والمخدرات، والقدرة على إيقاف عمل الهيئات الرقابية، ناهيك عن تعدد الجهات الرقابية وتقاطعها سياسياً، فتباعدت الهيئات التحقيقية، وخضعت للضغوط والإبتزاز والمساومة، نتيجة محاصصتها بين القوى، وحماية بعض الأحزاب لشخصياتها المتهمة بالفساد. إتخذت أحزاب آخرى من السلطة التنفيذية مرتعا لدعم نشاطاتها وتفرعنت قواها فوق القانون، وسعت لزج شخصيات منها للتحكم بتلك الهيئات، وصولاً الى اللجان التحقيقية البرلمانية وبالذات لجنة النزاهة الحالية، وما يزال الصراع على رئاستها مستمرا! تعطيل إختيار اللجان الآخرى لتقسيمها حزبياً، وأخذ الحزب للجنة وزارته، والوزير السابق في اللجنة التي تخص موقع عمله السابق، للتستر على ملفاته..وهلم جرا! محاربة الفساد خطوات شجاعة حققها قادة في دول عدة، عندما دعموا الجهات الرقابية، وفعّلوا عملها بإختصار بيروقراطية الإدارة، وتشريع قوانين تتيح لها حيزا من الصلاحية، وتحميها من الضغوطات الحزبية، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد، بمثابة أية حالة طارئة تحدث داخل مؤسسة ما، وبذلك تشكل لها لجنة من إختصاصات مختلفة لتسريع آليات العمل والمعالجة. كذلك جمع هذا المجلس إختصاصات وهيئات لتنسيق عملها، وتعجيل التخلص من مرض نهش جسد الدولة، وهذا لا يعني إلغاء تلك الهيئات في الوقت الحاضر، ولا تتدخل في عمل السلطة الرقابية ومنها البرلمانية. المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، صيغة في غاية الأهمية والضرورة المرحلية، لكنه يحتاج للتفاعل والتعامل الشفاف والإيجابي، من القوى السياسية والجهات التنفيذية والتشريعية، وسيكون بمواجهتين أحدهما علنية بذريعة وجود هيئات رقابية عدة، وآخرى سرية ستعمل عليها القوى السياسية بتحريك جيوشها الإلكترونية، وبرامج تلفزيونية لتشويه الخطوات لحماية مفاسدها. الفاسدون هاربون جبناء سيتساقطون كلعبة الدومينو.. وسيحاولون قدر الإمكان تعويق أيّ عمل من شأنه الإطاحة برؤوس كبيرة وكثيرة، وذيول أكثر. سبق وأن طُرقت فكرة تشكيل هذا المجلس في حكومة السيد العبادي، وفي وقتها طلب الإستعانة بخبراء من الخارج، وهذا إعتراف بأن الهيئات الرقابية بواقعها غير فاعلة، وتحت تأثير السلطة التنفيذية وأحياناً من جهات برلمانية، وكل هذا لحسابات حزبية، وتشكيل هكذا مجلس لا يلغي تلك الهيئات التي تكاد تفقد إستقلالها، بل يعطي شهادة وفاة لميت من سنوات، ويأذن بمراسيم الدفن، وكل هذه الإجراءات تشير على أن الفساد دولة، ولكن الفاسدين جبناء لا يستطيعون المواجهة.