الرئيسية / مقالات / عراقيون من هذا الزمان (*) / محمـد عنــــوز / 13

عراقيون من هذا الزمان (*) / محمـد عنــــوز / 13

السيمر / الاحد 17 . 02 . 2019

رواء الجصاني

مرة جديدة، هي الثالثة، التي نعود بها للحديث في هذه الحلقات عن شخصية من النجف، وعسى ألّا نتهم بـ “النجفوية !” وأن كانت التهمة مشرفةً. وصاحبنا هنا محمد عبد الامير عنـوز، الصديق والسياسي والمناضل، ودكتوراه القانون..

  وهذا النجفي بأمتياز، اسرةً وولادةً وتعليماً حتى اكماله الاعدادية، جاء بغداد اواسط السبعينات، طالباً في كلية القانون في الجامعة المستنصرية، لينغمر وعلى الفور، في ما اعتاد عليه، مواصلا نشاطاته الحزبية الشيوعية، والطلابية الديمقراطية، وليس في جامعته فحسب، بل وفي لجان مسؤولة عن تنظيمات حزبه، وتشكيلاته، في جمعٍ من كليات جامعة بغداد، وأتذكرمنها: كليات الاداب، والادارة والاقتصاد، والقانون والسياسة، واكاديمية الفنون، وغيرها، وقد تشاركنا في تلكم المسؤوليات لعدة سنوات، ولا ننتظر ان تعود مثلها في الجمال والاصالة والشباب!..

   بقي الرجل هكذا دؤوبا في حركته، ووطيدا في علاقاته مع رفيقاته ورفاقه الذين عمل معهم، وعملوا معه، أو الذين (واللواتي) تكلف، وتكفل بمتابعتهم، كما يؤكد شهود عيان، ولربما كنتً من بينهم !. كان طموحا وحالما – كأصحابه الشيوعييـن- في وطن يسير نحو الحرية، ويعتمدها، وبشعب يتوق للسعادة عسى ان ينالها.. ثم تحلّ الغدرة اللئيمة لزمر البعث الارهابية، لتصل ذروة غدرها اواخر السبعينات – مطلع الثمانينات الماضية، فيضطر محمد عنوز، وهو في السنة الاخيرة من دراسته، للجوء الى الخارج مؤقتا، ثم يعود الى البلاد مناضلا من جديد في ظروف اخرى سيجرى التوقف عندها..

  يصل محمد الى براغ في النصف الاول من عام 1979 التي وكنت وصلتها قبله باسابيع، فنلتقي مجددا، كلاً في مهامه وانشغالاته السياسية والحزبية وما بينهما .. وبعد فترة وجيزة يجري اختياره لكي ينضم الى فريق حزبي شيوعي عراقي أنتخبَ للدراسة في الاكاديمية السياسية في صوفيا، التابعة للحزب الشيوعي البلغاري(1).. وتتكثف هناك معارفه وتجربته العملية، وتتعمق مفاهيمه الوطنية، والانسانية، النبيلة، ويتفوق في اإتمام المهمة، ثم يغادر بعدها الى اليمن الديمقراطية اولاً، ليقضي فترة قصيرة، وليعادل شهادته، ثم يتوجه الى كردستان العراق، متطوعا ضمن فصائل الحزب الشيوعي العراقي المسلحة (الانصار) وبمختلف المهام السياسية والنضالية، ومن بينها مسؤوليته في مهام مركزية لمتابعة العمل الجماهيري، بأشراف المناضلة البارزة بشرى برتو، ومعنياً خصوصا باتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، وكل ذلك في اوائل – اواسط الثمانينات الماضية (2) ..

   وبعد الظروف القاسية، والغادرة التي تعرضت لها تنظيمات وتشكيلات الشيوعيين العراقيين المسلحين وغيرهم في كردستان، يضطر محمد عنوز للعودة الى دمشق، ومنها الى منافٍ جديدة: في اوكرانيا، وعاصمتها كييف ، ليكمل الدكتوراه في القانون، ثم ليطلب بعدها اللجوء السياسي، الاضطراري، الى السويد، بأنتظار ان يحلّ الفرج الذي يبدو انه لم يحل غير عام 2003 بعد أسقاط النظام الدكتاتوري، ولكنه جاء فرجاً معلولاً، فمعروف ما جرى بعد ذلك العام، ولسنوات، وما زالت تداعياته قائمة الى اليوم بشكل أو آخر، وما علينا – الان على الاقل- بالتفاصيل والاسباب والمسببات ..    

   ثم يعود محمد عنوز الى العراق، بعد التحرير (حسب البعض) أو الاحتلال (وفق بعض آخر) ولينشط في ولايته (النجف) وبغدا د وغيرهما: سياسيا وقانونيا، كما مستشارا في بعض المواقع الرسمية، وليستمر هناك والى الآن على ما أحسب، مع فترات راحة واستراحة في السويد، حيث يقيم عدد من افراد اسرته … ولا يجوز لي ان اغفل الاشارة هنا – بل والاشادة ايضا- لكتاباته ودراساته القانونية، والمقارنة، المنشورة، او المعروضة، في كثير من الندوات والمجالس التي أستضيفَ اليها، او شارك فيها، ومن بينها في النجف وبغداد العراقيتين، ويوتبوري ومالمو السويديتين، وبراغ التشيكية (2) . ومن خلال كل هذا وذلك، راح محمد شخصية متميزة في العطاء والمثابرة، والتاريخ النضالي، ووجهاً نجفياً، بل ووطنيا مرموقا.

وبحكم المهام والمسؤوليات السياسية والحزبية المشتركة، توطدت العلاقات الشخصية، والاجتماعية ايضاً، مع محمد عنوز (أبي سامر سابقاً، وأبي سومر حاليا).. وذلك في بغداد وبراغ وصوفيا، ولقد كان في كل الاماكن والمواقع ذلك الرجل الجليس، الجاد والمثابر، والممراح الأنيس في آن واحد، متميزا بعلاقاته الحميمة مع كل من يعرفه ويتعرف عليه، والوفيّ لهم في عالم باتت فيه سجية الوفاء من الاحلام، أو هكذا أزعم.. ومرة اخرى ما علينا ببعض (المناكدات) ضده، أو منه في هذا الموقف أو ذلك، ومؤكد انها باتت في سجل الذكريات ليس ألا، وكلنا على تلك الطريق!.

——————————————– بــراغ / اواسط شباط 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي … وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وتم نشرها في العديد من وسائل ومواقع الاعلام..

1/ درس في تلك الاكاديمية العديد من المسؤولين الشيوعيين العراقيين، وعلى مدى عقود طويلة، وحتى انهيار النظام “الاشتراكي” مطلع التسعينات..

2/ ربما هناك بعض التداخل في الاعوام والتواريخ، خاصة وأن كل ما جرى توثيقه، يعتمد الذاكرة وحسب.

3/ يبدو ان محمداً عشق براغ، فراح يتردد عليها مرات عديدة، وبحيث ظنّ البعض انه مقيم فيها !.. وبالمناسبة فقد كان ضمن المشاركين في الملتقى العراقي الوطني الذي نُظم في براغ صيف عام 2017.

 

 

اترك تعليقاً