السيمر / فيينا / الاحد 16 . 02 . 2020
د. ماجد احمد الزاملي
مسألة تدبير شؤون البلد وتحقيق درجة الإشباع للمواطن يقتضي توفير أطر عارفة بشؤون التدبير وتقنياته ومُلمَة بحاجات المواطن سواء الاعتيادية أو المتجددة ,فعليهم ان يعرفوا حقوقهم وواجباتهم تجاه المواطنين أولا لأنهم إليهم يرجع الفضل في حصولهم على هذه المرتبة،لكن غياب المعارضة من داخل المجلس النيابي كجهاز حيوي يعتبره الكثيرون احد الأسباب التي يمكن أن يؤثر غيابه سلبا على التنمية وحسن تدبير الميزانية وتعطيل المرافق العامة للبلد والدفاع عن مصالح المواطنين. الا ان الأصوليين وجدوا صعوبة للحصول على دعم شعوب البلدان “الإسلامية” خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لان التيارات اليسارية إكتسحت اغلب البلدان الاسلامية. فما كان لديهم بديل الا الارتماء في احضان الإمبريالية لضمان بقائهم. كانت أغلبية هذه الدول”الإسلامية” غير مستقرة و ذات طبيعة رجعية. كما كانت الأنظمة السياسية في هذه البلدان معتمدة بشكل كبير على الإمبريالية الأمريكية في قمع الثورات الشعبية التي تواجهها . ولذلك و في عدّة بلدان، أصبح الأصوليون الإسلاميون عملاء لهذه الدول الإقطاعية- الراسمالية و بتستر من الإمبريالية. فقاموا بالتجسس، والتخريب وقتل النشطاء اليساريين. و خربوا مكاتب الصحف اليسارية، و حاصروا النساء و شنوا اعمال في الواقع ان الاصولية الاسلامية ظاهرة رجعية تمثّل مرحلة غريبة في مجتمع رأسمالي ، مجتمع ركد بسبب الأزمة الهيكلية للرأسمالية. ففشل الرأسمالية في إزالة الإقطاعية وتواصل وجود الأشكال البدائية للمجتمع الإنساني يخلقان التربة الخصبة للأصولية الإسلامية. يخلق هذا النمو الغير متكافىء التناقضات التي تهيء اسس الاتجاهات الرجعية في فترة الأزمة الإجتماعية. و حتى اموال النفط لم تخدم إنجاز مهام الثورة البرجوازية، اي الثورة الصناعية، في دول النفط الإسلامية الغنية. وهو ما يبرز رجعية هؤلاء الحكّام وإفلاسهم التأريخي. في نفس الوقت فان الاصولية الاسلامية ظاهرة مؤقتة وسطحية. و الجهود التي بذلت لعصرنتها إنتهت باضعافها. لذلك فان الوحشية والبربرية يظهران ثانية لتنشيطها ان العدو الكبير للحركات الاصولية هو التأريخ والحضارة الانسانية النيرة . وهنا نسأل هل تغيرت مواقف الحركات الإسلامية بعد وصولها إلى الحكم؟ وهل تتوفر هذه الحركات على القابلية والإرادة والطاقات الفكرية التي من شأنها إنجاز هذه المهمة؟ وما هو وضع المجتمع المدني في ظل “الحكومات الإسلامية”؟ ، أن الحراك العربي أشبه بالمنعطف في الطريق، “حيث غياب الوضوح والرؤية”.
تحرير السياسة من قيم وثقافة الالتزام الاجتماعي وما يرافق ذلك من مظاهر العنف والاشاعة والشعارات الفضفاضة التي تغذي الفتن والانقسامات بين القوى السياسية والمدنية ، فالاجدر بالفاعلين الاجتماعيين والسياسيين التحلي بمنطق الحكمة العملية والعقل النقدي الناضج والفاعل والمعنى المقصود والارادة المشتركة في البناء والارتقاء بالمواطن والوطن . ان الإشكال الرئيسي الذي ينبغي أن ينشغل به التفكير السياسي في هذه المرحلة الجديدة من التطور السياسي لشعبنا ، هو تحسين الأوضاع الاجتماعية وايلاء أهمية قصوى للتكافؤ والمساواة في الفرص والحقوق بين الأفراد على المستوى المعيشي وتحت مظلة القانون، والابتعاد عن التمركز الجهوي والتعصب الايديولوجي ، والكف عن البحث عن المصلحة الحزبية المحدودة وعن استعراض القوة الشعبية و المال السياسي والقرب من مراكز النفوذ والتفرد بالسلطة . تمثل الاصولية الاسلامية تهديدا متزايدا للنظام الإجتماعي, ففي المجال السياسي الإجتماعي للشرق الأوسط أصبحت عاملا مهيمنا, وفي الشرق الاقصى أندونيسيا، والفلبين،و ماليزيا وبلدان “إسلامية” أخرى بدأت الأصولية الإسلامية تؤكّد نفسها بقوة في خضم النظام الإجتماعي السياسي المربك, في شبه القارة الهندية ظهرت على السطح في شكل نزاعات عرقية و قومية مزمنة اثرت في وضع سكان هذه البلدان. و انتعاشها في آسيا الوسطى خلق قلقا وتوترا بين الأنظمة الحاكمة.و تقف باكستان عند عتبة الهمجية الأصولية. إن ظاهرة “الإسلام السياسى” كما عبرت عنها الجماعات التى ارتبطت بها منذ النشأة ألاولى جماعاتها السياسية ، والمتملثة فى حركة الاخوان المسلمين، ثم الجماعات الأخرى التى ظهرت منذ اواخر الستينيات “الجهاد” أو الجماعة الإسلامية أو غيرها من الجماعات الصغيرة المنشقة عنهما أو تلك التى ظهرت بشكل مستقل – ستظل لها أبعادها السياسية والاجتماعية والفكرية العميقة التى تحتاج الى المتابعة والدراسة والتحليل.فالخلفية الاجتماعية مازالت تفسر الى حد كبير كثيرا من الخيارات السياسية، كما أنها هى التى تساهم فى تشكيل نسق القيم الذى يحكم ثقافة نخبة ما، سياسية كانت أو فكرية، وهى التى تساعد على فهم طبيعة أى حركة سياسية أو اجتماعية، التى توجه بدورها سلوكها السياسى إما اعتدالا أو عنفا ولذلك سيبقى التوقف عند الخلفية الأجتماعية التى خرجت منها أى حركة سياسية بكل ما يعتيريها من طموحات وتطلعات، أو من إخفاقات واحباطات وحتى أزمات، من العوامل المهمة لفهم طبيعة وتوجهات هذه الحركة أو تلك. ويسرى ذلك بشكل أكبر عند دراسة أكثر الطبقات الاجتماعية تأثيرا على الحياة السياسية، وهى الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة.
الثورة الفرنسية التي قامت عام 1789 سبقها قرن كامل من الأدبيات المتخصصة في الفلفسة والسياسة، وهذا ما ينقص العالم العربي اليوم . إن صعود القوى الإسلامية بشتّى ألوانها شكّل علامة مميّزة لمسار الحراك والثورات العربية “سواء تلك التي شهدت حراكا انطوى على قدر من العنف كليبيا و مصر و تونس.أن تناول أداء تلك التيارات في المنطقة العربية يفترض تجاوز المقاربات التعميمية التي تضعها بمختلف أشكالها في سلّة واحدة، “خاصة وأنها تتباين من حيث طبيعة الفضاء القانوني والسياسي و الاجتماعي الذي تشتغل فيه”. أن الحراك لم يكن من صنع هذه الحركات الإسلامية، “لأنه حراك مجتمعي تلقائي تفاعلي صيغ بعيدا عن القنوات الوسيطة التقليدية”، رغم ذلك فكثير من فعاليات هذه الحركات حاولت اللحاق به واستثماره لصالحها، فما مدى قدرة تلك التيارات الإسلامية في الإسهام في تغيير خطاباتها و أدبياتها داخل المجتمعات مع رحيل الأنظمة المستبدّة. أن سيرورة الديمقراطية، والتي هي تلقائية وداخلية المنشأ ، عملية تستجيب لسيرورة اجتماعية “تطالب بدولة وليدة إرادة من صنع الشعب”، أن أي دولة يستطيع المجتمع أن يغيرها ويستبدلها، “بمعنى أدق أن تكون للمجتمع حرية اختيار الحاكمين والحد من السلطة السياسية ومجالات نفوذها”، لأن ذلك يوفر الشروط السوسيولوجية لنشأة مجتمع مدني. إن الديموقراطية هي حتمية تاريخية في العالم العربي، أن دخول الإسلاميين في زمن السلطة هو نتيجة طبيعية لمشروعهم السياسي القائم على مركزية السلطة، “وبالتالي فإن الديناميات المدنية التي تستهدف تنوير المجتمعات و تحرير الهوية من مجال السلطة، ستؤدي إلى تنصيب الموقف السياسي القائم على تأويل ديني”، أن “زمنية السلطة” بالنسبة للإسلاميين هي جزء من المرحلة الانتقالية ذاتها. أن الحراك العربي كان ممرا لـ”إسقاط الأنظمة ألإستبدادية “، ويحمل التطلع إلى “تفكيك السلطوية” و إعادة بناء نظم سياسية ديموقراطية، أن اختيار “الجماهير” للإسلاميين لتسيير شؤونهم في ظل أجواء الحراك “الثوري”، سمح للعديد من المراقبين بالتشكيك في “النماذج البديلة” التي تحملها خيارات الجماهير الشعبية ولأن هذه الظاهرة أكبر وأعقد من أن تصاغ حسب الاهواء,بل ينبغي معرفة الأصول الاجتماعية لحركات الإسلام السياسي المعاصرة انطلاقا من الخبرة ، و مواقف هذه الحركات وعلاقتها بقضية الديمقراطية فى العالم الإسلامى. والواقع أن الخبرة العملية تثبت أن وجود ما يسمى بمرجعية واحدة تلتزم به كافة القوى السياسية لم يقلل من الصراعات الدموية والانشقاقات الحادة بين التيارات والجماعات التى تنتمي إلى المرجعية الإسلامية نفسها! وأدت هذه الصراعات فى النهاية إلى إغراق دول فى حروب أهلية أو دخولها فى حلقة مفرغة من العنف ملثما حدث فى أفغانستان وغيرها, ولهذا تبقى هناك فجوة كبيرة بين إعلان بعض فصائل وتيارات الحركة الإسلامية بقبول الديمقراطية من حيث الشكل وبين التزامها الفعلي بمبادئها وأفكارها فضلا عن قواعدها فى الممارسة فالديمقراطية فى التحليل النهائي هى ظاهرة مرتبطة فى النشأة والوجود والاستمرار بالمجتمعات الحديثة، وبإتاحة أكبر قدر من من الحريات وضمانها ولا يمكن ان تكون مجرد وسيله لدعم الأفكار الشمولية التى تسعى لتغيير وجه هذه الحياة المدنية، وإقامة “ثيوقراطية” جديدة إن كل هذه الاعتبارات ستظل مطروحة عند الحديث عن واقع ومستقبل الحركات السياسية الإسلامية، وهى اعتبارات تفرض تحديات معينة أمام عملية التحول الديمقراطي فى العالم العربي والإسلامي، كما تطرح قضايا على القوى الإسلامية الإجابة عليها ومواجهاتها بفكر جديد، وعقلية أقل انغلاقا.