السيمر / فيينا / الثلاثاء 03 . 03 . 2020
ثامر الحجامي
وصف القران الكريم ” بيت العنكبوت ” بأوهن البيوت، رغم إن أبحاثا علمية أثبتت أن خيوط شبكة العنكبوت هي من أقوى الحبال على وجه الأرض.. لكن طبيعة العلاقة الأسرية لهذه الحشرات تختلف عن غيرها، فالأنثى تقوم بأفتراس الذكر بعد أن ينتهي من تلقيحها، وعندما يفقس البيض يقوم بالتغذى على أضعفها، وما أن يقوى حتى يقوم بإلتهام الأم ! لتنتهي عندها السلسلة الوراثية بين الآباء والأبناء.
على العكس من ذلك طور البشر علاقاتهم الأسرية والإجتماعية، لتكون مثالا للترابط والتلاحم، المعبر عن سمو الفكر البشري، وإدراكه لعظمة الروابط الإنسانية بين بني أدم.. والتي تطورت الى علاقات إجتماعية وقبلية، تجمع البلدان والشعوب تحت مسميات متعددة، حتى أصبحت تلك البلدان تتباها بعظيم ترابطها وتوحدها تجاه ما يعتريها من مخاطر ومشاكل.
لطالما كانت تأتي التهديدات للشعوب عبر ضرب نسيجها الاجتماعي ومحاولة تكسير اواصر الروابط بين فئاتها المتعددة بإستخدام أساليب شتى، فالدولة العثمانية ربطت الخيول في مساجد الشيعة في محاولة لاهانتهم والاستصغار من مذهبهم، وفعل الانكليز أضعاف ما فعله العثمانيون ( وما زالوا ) بلضرب الأواصر الإجتماعية وتغيير المفاهيم الثقافية لشرائح المجتمع العراقي.
جاء نظام البعث الفاشي، الذي تجاوز الاخرين ودخل الى البيوت، ليضرب الروابط الاسرية في الصميم، فعمل لجعل الزوجة تسجل أحاديث زوجها والوالد يقتل ولده الهارب من حروب النظام الطاحنة، وزادت الهوة الطائفية والقومية بين شرائح المجتمع العراقي، فأصبح إبن “العوجة” ينادي إبن الناصرية ” بالشروكي” ويتعامل معه تعامل السيد مع العبد..
بعد عام 2003 عمد المحتل الى زيادة حجم الخلافات، حتى تحولت الى حرب دامية تطورت الى اشكال متعددة، لم ينطفئ سعيرها إلا مع نهاية عام 2017، وما زالت معاناتها وتأثيراتها مستمرة الى يومنا هذا، بل إن الخوف من عودتها ما زال حاضرا، رافق ذلك خلافات سياسية حادة، وتعدد الولاءات الحزبية المرتبط بعضها بجهات خارجية، وغاب الكثير من المفاهيم الوطنية والإجتماعية، التي تجعل المجتمعات والشعوب متماسكة قادرة على مواجهة التحديات.
خلال عملية الصراع مع عدو الخارج، والتدافع بين مكونات الداخل، مع تحريض سياسي من أجل مصالح حزبية، غابت مفاهيم كثيرة تمثل قوة للمجتمع العراقي وتماسك مكوناته، فأصبحت الوطنية سبة لمن ينادي بها، وصار الولاء للخارج محل فخر للبعض! وأختلفت الأغلب في مفهوم السيادة وتفسيرها، فيعتدى على القوات العراقية بصواريخ أجنبية، ولكننا نشاهد من يبرر ذلك، ويستشهد قادة عراقيون داخل العاصمة بإعتداء غاشم، فنجد من يستنكر ومن يبرر! وإعتداء على سفارات وقنصليات دول، هناك من يستنكر وآخر يبرر! وإنهاء وجود القوات الاجنبية على الاراضي العراقية، يدافع عنه البعض ويهاجمه البعض الآخر!
دستورنا ينتهكه الحكام أكثر من المحكومين، حكومة وجودها من عدمه، وبرلمان يعيش في سبات تحميه الكتل الكونكريتية، الأحزاب تتكالب على مغانم السلطة ، قوى التشدد واللادولة متحكمة في ما بقي من الدولة، ممسكة بمصادر المال والسلاح ومتحكمة بالمال والنفوذ، فأحالت بيتنا الى ما يشبه بيت العنكبوت.