الرئيسية / مقالات / الإستيراتيجية الامريكية لخلق الازمات في الشرق الاوسط

الإستيراتيجية الامريكية لخلق الازمات في الشرق الاوسط

السيمر / فيينا / الاحد 15 . 03 . 2020

د. ماجد احمد الزاملي

الترابط الوثيق بين النظم الاستراتيجية الأمريكية، وحقيقة وجود منحى تطوري ضمن هذه النظم بمعنى أن نزعات محددة مثل التدخل العسكري يمكن بسهولة رصد تطورها من الأدنى نحو الأعلى وبالتالي رسم خط بياني لها يسمح بتوقع إحداثياتها (موقعها) في السياسة الأمريكية لفترة قادمة دون خطأ كبير. ويترافق هذا التطور بصورة لافتة للنظر مع العولمة. وقد تم وضع الأساس الفلسفي الذي يربط بين العولمة والاستراتيجية الأمريكية العليا في عام 1993 وفقا لورقة ليك الذائعة الصيت والمقدمة في معهد جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة حيث لخص أربع ضرورات أساسية تقوم عليها الاستراتيجية الأمريكية وهي: أولا: تعزيز أسرة أنظمة السوق الديمقراطية الرئيسية بما فيها النظام الأمريكي لكونها تشكل النواة التي تنطلق منها عملية التوسيع .ثانيا: رعاية الأنظمة الديمقراطية الجديدة واقتصاديات السوق ومساعدتها حيثما أمكن ولاسيما في الدول ذات الأهمية والفرص الاستثنائية . ثالثا: التصدي للعدوان ودعم اشاعة الليبرالية في الدول المعادية للديمقراطية والسوق. رابعا: متابعة برنامجنا الإنساني ليس من خلال توفير المساعدات فقط ولكن عبر العمل على تمكين الديمقراطية واقتصاد السوق من مد الجذور في مناطق ذات أهمية إنسانية كبرى .ان نمو نزعة التدخل العسكري اعتبارا من أوائل التسعينات وهو التاريخ الذي بدأ يشهد القفزة الكبرى في وضع الشركات متعددة الجنسيات، هكذا اندمجت مصالح العولمة مع التعريف الموسع للأمن القومي، ومنذ ذلك التاريخ شهد العالم تطبيقات متلاحقة مثل التدخل في هايتي، قصف العراق، قصف صربيا، قصف مواقع في السودان، احتلال أفغانستان وأخيرا العراق. وقبل متابعة تطور نزعة التدخل العسكري يجدر بنا التوقف عند وجه آخر لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي وهو المتعلق بالجانب القومي – الإمبراطوري، فالنظام العالمي الذي انهار بعد اختفاء المعسكر الاشتراكي أسفر عن تبدل جوهري ,أن بنية السياسة العالمية التي تطورت منذ انتهاء الحرب الباردة تبرز الهيمنة العالمية للولايات المتحدة في إطار الحقل التعددي للأطراف الفاعلة (الدول القومية، الجماعات شبه القومية، الأديان العابرة للحدود القومية، المشروعات متعددة القوميات، المؤسسات العالمية والإقليمية). الذين يجرون الادارة الامريكية الى سياسة امبريالية جديدة يضعون الولايات المتحدة في موضع الصدام مع العالم بأسره، وفي صراع دموي ومباشر مع الشعوب العربية والاسلامية. هذه حالة اسوأ بكثير من حالة العداء التي واجهتها الولايات المتحدة في ذروة الحرب الفيتنامية. ففي نهاية الستينات ومطلع السبعينات كانت واشنطن تقود معسكرا غربيا واسعا ومتعدد القوى. اليوم، تعيش الدول الغربية جميعا توجسا لا يخفي من حليف الامس وسياساته. وليس هناك قوة في التاريخ على الاطلاق، تعادي العالم اجمع وتنتصر.
منذ السبعينات من القرن العشرين ، تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لمنع البنك الدولي من منح القروض التي تسهّل إنتاج السلع التي تنافس المنتجات الأمريكية. وهكذا عارضت الولايات المتحدة بانتظام إنتاج زيت النخيل والحمضيات والفواكه والسكّر. في عام 1987 أجبرت البنك الدولي على أن يقلّل القروض الممنوحة لصناعة الحديد والصلب في الهند وباكستان. في عام 1985، عارضت بنجاح مشروع استثماري من قبل البنك الدولي في صناعة الصلب البرازيلية. ومنعت تقديم قرض من البنك لدعم إعادة هيكلة قطاع تصنيع الصلب في المكسيك. كما هدّدت باستخدام حقها في النقض (الفيتو) لمنع تقديم قرض لصناعة الصلب الصينية في الثمانينات من القرن الماضي. وقد تم إثبات وجود علاقة وثيقة بين السلطة السياسية ودوائر الأعمال التجارية ورأس المال الكبير في الولايات المتحدة ورئاسة البنك الدولي. فمنذ نهاية الحرب الباردة راجت أطروحات عديدة بشأن تراجع الأهمية الإستراتيجية لتركيا، خاصة من المنظور الغربي، وذلك عطفًا على انتهاء التهديد الشيوعي وعدم الحاجة لسياسة”سد المنافذ” التي وفرت لها دورًا مهما طيلة الحرب الباردة. بيد أن التاريخ أثبت لاحقًا عدم صحة هذه الأطروحات، فعلى سبيل المثال كانت هناك فرص اقتصادية جديدة، وأهداف مشتركة لتركيا في قطاع الطاقة، خاصة في منطقة آسيا الوسطى، تلك التي خضعت لسيادة الاتحاد السوفييتي، إلا أن تركيا لم تستغل هذه الفرص، وذلك على الرغم من أنها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي قد مرت بأزمات اقتصادية وسياسية، فقد استمرت في تعاونها مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبعد عام 2000م بدأت تركيا تتعافى من مشكلاتها السياسية والاقتصادية وبدأت في تحديد مصالحها وفقًا لمصالحها. وقد سعت الدولة التركية في ظل حكومة العدالة والتنمية إلى تأطير علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية انطلاقًا من المصالح المشتركة بينهما، وليس كدولة “متعهدة تقديم خدمات” لها، لذلك برزت تصدعات في السياسة الخارجية أخذت في الظهور بين الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” والرئيس” باراك أوباما” وتركيا في عهد حكومة العدالة والتنمية”؛ حيث كان لكل منهما وجهات نظر مختلفة بشأن النهج الأمثل في حل المشكلات والقضايا الإقليمية.تظهر التجارب الحديثة في العالم أن هناك تكاملا بين التكتلات الإقليمية والعولمة بمفهومها الواسع حيث تنشأ عملية تبادلية يؤدي فيها الاندماج الإقليمي إلى المزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي، خصوصا مع التزايد المستمر في الدعوة إلى عولمة الاقتصاد وعولمة التجارة وإطلاق حرية السوق والمنافسة، تزايدت النزعة الدولية نحو إقامة تكتلات إقليمية بين الدول وذلك لفتح الأسواق وتدفق أنواع الاستثمار واليد العاملة وتسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال وتنسيق السياسات الاقتصادية والمالية بين الدول الأعضاء في التكتل، وتوفير الحماية من ضرر منافسة الاقتصاديات الأخرى وزيادة القوة التفاوضية في ظل الانفتاح الاقتصادي العالمي.والمتتبع لايمكن ان يتجاهل خلفية هذه الازمة الملازمة للنظام الامريكي وامتداداتها المرتبطة بنهج العولمة وافرازاتها الكبيرة المؤثرة في الاقتصاد المالي والنقد العالمي الذي شمل مظاهر عديدة في الحياة العامة للمجتمع الدولي والتي تضمنت الاقتصاد والسياسة والاجتماع. من هنا يجب ان ندرك ان كثيرا من الحقائق والتداعيات المرافقة للنظام الاقتصادي الامريكي كانت تخضع للنهج التوسعي والسيطرة على اقتصاد العالم ،ذلك الاقتصاد المرتبط بالدولار الذي ابرز سماته السوق الحرة، واقتصاد السوق والاحتكار للاسواق الخارجية في العالم.
ما تعيشه بعض دول الشرق الأوسط والعراق من ضمنها حاليا يؤكد ذلك فهناك عملية تدمير البنية التحتية ،إضعاف التضامن والتجانس الاجتماعي والسياسي والديني والتاريخي لهده الدول، بمعنى إحداث واقع جديد سيؤدي لا محالة إلى حرب المذاهب والطوائف ،تكون متوافقة مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية،وهذا ما يمكن رصده من خلال انبعاث قوى محلية جديدة متطرفة مدعومة من قوى خارجية بحيث تكون أداة يتم توظيفها من طرف الإدارة الأمريكية الهدف منها هو تشويه صورة قيمنا الاجتماعية ومعتقداتنا سواءا الدينية او الفكرية المرتكزة على التسامح والسلام والحرية. إن أختيار العراق هدفاً، المقصود منه التطبيق الأمثل لقدرة النظام العالمي للتعامل مع الدولة المناوئة، ولا سيما تلك التي تقع في مراكز الثقل من العالم، أذ أنَّ العراق يشكل منطقة إستراتيجية مفصلية هامة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا، وهو الأقرب إلى دول آسيا الوسطى، ويمثل الحدود البرية مع كل من إيران وسوريا, وهذا يعني أحتلال العراق يكمل حلقة السيطرة على الشرق الأقصى والأوسط، ويحد من أمتداد نفوذ كل من روسيا الأتحادية والصين، كما يحد من أنتشار المصالح الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط.
تهميش دور دول الجنوب في الخارطة الاقتصادية العالمية من خلال الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ومن خلال مؤسسات التجارة العالمية وذلك عن طريق الهيمنة على الشبكات عبر القومية (شركات ومؤسسات اقتصادية تقوم بإدارة الاقتصاد العالمي) ومثل هذا الأمر يفرض على دول الجنوب التكيف من خلال إعادة الهيكلة في الداخل والانخراط في النظام الاقتصادي المعولم الذي سيفقدها الكثير من مقومات سيادتها الاقتصادية . أن رفض ومقاومة الهيمنة الأميركية هو أمر ممكن وملح وقائم وذو جدوى في آن معاً وهو متوافق مع الميول التاريخية لتحول العالم في رفض الأحادية القطبية.
يمكن النظر إلى الاستعداد الراهن لاستخدام القوة أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية على أنه الحلقة الأخيرة من سلسلة التحولات الكبيرة الأربعة التي مرت بها استراتيجية الأمن القومي منذ عام 1945. التحول الأول كان ردا على صيرورة الحرب ذات قدرة تدميرية شاملة بعد قصف اليابان بالقنابل النووية، وتمثل بالتالي في اعتبار الحرب ملاذا أخيرا ودليلا على فشل الدبلوماسية، والتحول الثاني تمثل في تطوير طيف من الاستراتيجيات والقدرات العسكرية القابلة للاستخدام بمرونة للتصدي للمد الشيوعي المحدود والشامل كما في حالة كوبا. والتحول الثالث كان ردا على إخفاق الولايات المتحدة في فيتنام وتمثل في الانتكاس من مفهوم الرد المرن إلى حصر الحرب بأوضاع يكون فيها الأمن القومي الأمريكي معرضا للخطر. أما التحول الرابع فقد استند إلى تجربة حرب الخليج وتعزز بنتائج الحملتين على كوسوفا وأفغانستان وينظر إليه باعتباره عودة لتأكيد مرحلة ما قبل حرب فيتنام. وهكذا تم تكريس القوة العسكرية ليس في مواجهة خطر يتهدد الأمن القومي بالمفهوم الضيق ولكن كأداة بيد الدبلوماسية وفقا لمفهوم موسع للأمن القومي مدمج مع المصالح النامية باستمرار للعولمة.

اترك تعليقاً