السيمر / فيينا / السبت 11 . 09 . 2021
أحمد الحربي جواد
كانت حركة الجموع بطيئة جدا ونحن في المركبة المتوجهة الى عزاء المرجع الحكيم، استمر هذا الزحام حتى بعد أن ترجلنا من المركبة.
رافقني في ذك اليوم اثنين من أصدقائي أحدهم من الجنوب صديق العمر، لم اره طيلة حياتي في مثل هذا الوجوم والحزن، وصديقي الاخر من الغربية، كان قد عاد من بعثته الدراسية في أوربا قبل عدة أيام، وقرر ان يمضي بعض من أجازته مع في بغداد.
أخذ الأخير يتطلع بفضول وصمت الى تلك الوجوه الباكية، التي سبق ان أدت واجب التعزية وخرجت لتفسح المجال لجمع اخر وآخر وأخر من أجل التعزية.
كانت تلك الجموع تحمل المفاجأة لصديقي أبن الغربية في ذلك العزاء، كلمات الاستغراب والدهشة كانت مرسومة في عينيه دون أن ينطق بها؛ لكثرة ما مر من من معارفه وأصدقائه وتلك الشخصيات السياسية التي يعرف بعض منها، شيوخ عشائر وجهاء نواب رؤساء كتل حزبية، مرشحين مستقلين رجال دين، من كافة المذاهب والديانات الأخرى، جموع منوعة.
هو لم يكن من محبي السياسة، ولا الشخصيات العامة أو المؤثرة، حياته الخاصة تدور في مزرعة أبيه بين الدراسة وطموحه أن يسافر ويرى العالم ويأتي بشهادة علمية عليا.
كان قد سألني قبل أن ننطلق في وجهتنا الى مجلس العزاء عن المرجع الديني محمد سعيد الحكيم، وماذا نفعل بعد العزاء، هل سأريه ماذا تغيير من ملامح بغداد؟ أما عن إصراره على مرافقتنا للذهاب الى مجلس العزاء كان بسبب طريقة تربيته والتزامه بالتقاليد والأعراف العشائرية.
قلت له بعد العزاء سيكون لكل حادث حديث، وأبلغته بقدوم أحد أصدقائنا من الجنوب ليشارك في هذا المصاب الجلل.
بعد أن اتخذنا اماكننا في مجلس العزاء، بدئت تلك الاحداث المختبئة في دهاليز الذاكرة تخرج شيئاً فشيء، وتنسل من ذاكرتي البعيدة لتلقي بصورها وأحداثها الى مجلسنا، تلك المواقف المشرفة للسيد رحمه الله، فكفى في مسيرته الدينية العلمية بالإرشاد والوعظ الديني فاتحا ً أبواب مجلسه على مصراعيها لطالبي علمه، متخذا من الطريق الأكاديمي في التدريس والتأليف وسيلة لخدمة أبناء جلدته، وهذا غيض من فيض، لنقل انه أحد الأسس العلمية لبناء الدولة العراقية الحديثة.
وأنا أرى صورة المرجع الكبيرة مع صوت قارئ القران، وتلك الهمهمات بين الحاضرين لقراءة سورة الفاتحة، كانت أصوات البكاء مكتومة، وأنا أرى صديقي الجنوبي وهو يضرب على رجله أثناء بكاءه الصامت،
لم يطل بنا الوقت في ذلك المجلس، قرأنا سورة الفاتحة قبل خروجنا على عادتنا وترحمنا على روح الفقيد لنفسح المجال للجموع الأخرى من المعزين، شاركنا عائلة الفقيد عزائهم في قلوبنا.
عند خروجنا كان المنظر يشد الأنفاس من الجموع الغفيرة بين مغادر وقادم لواجب العزاء.
تكلم صديقي من الغربية: الله يرحموا خسارة، سألته من أين لك أن تعرف عنه! وأنت قبل قليل تسألني عنه؟
أجابني: حين ترى كل هذه الجموع من المعزين وبكاء الرجال بصمت، ليس هناك حاجة لمعرفة مقدار هذا الرجل.