السيمر / فيينا / الأربعاء 15 . 09 . 2021
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
نجح الأسير المحرر زكريا الزبيدي في إظهار حقيقة الموقف الإسرائيلي من حركة فتح وأبنائها، وكشف لحركته العتيدة ولأبنائها الأحرار وللشعب الفلسطيني كله، حقيقة سياستها وطبيعة تعاملها الحاقدة عليها والكارهة لها، وذلك من خلال ما تعرض له شخصياً على أيدي جنود العدو ومحققيه، الذين لم يدخروا وسيلةً مهينة إلا واستخدموها ضده، ولا أداةً قذرةً إلا ووظفوها للتنفيس عن حقدهم وعميق كرههم له ولحركته، فقد تعرض خلال الأيام القليلة الماضية، لجرائم اللطم والصفع والركل والصعق والشتم والأذى والإساءة، والعزل والفصل والقيد والتجويع والحرمان، إلى أن انهارت قواه وسقط مغشياً عليه، ونقل في حالة الخطر الشديد إلى المستشفى، التي ما زال فيها في قسم الإنعاش، نظراً لسوء حالته وتردي صحته.
عبرت إسرائيل بكل كيانها، الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية، والمستوطنون والإعلاميون والعاملون في المستشفيات وغيرهم، بالقول والعمل، وباللسان واليد، وبالصورة وردود الفعل، عن حقدها الدفين على حركة فتح التي ينتمي إليها زكريا الزبيدي، وكرهها الشديد لها، وخوفها الكبير من انبعاثها من جديد، وانطلاقها مرةً أخرى، واستعادتها لخطها الثوري ونهجها العسكري، وعودتها إلى زمن الطلقة الأولى والقطاع الغربي، والدوريات والحدود وعمليات الإنزال، ومحاولات الأسر وسوق المستوطنين رهائن حرب لمبادلتهم بأسرى ومعتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
لعل من حسنات عملية الفرار التاريخي “نفق جلبوع” الكثيرة، أنها وحدت الشعب الفلسطيني وجمعت قواه، ورصت صفوفه وحصنت مواقفه، فقد أصدرت كل القوى الفلسطينية، ومن بينها حركة فتح، بياناتٍ رسميةٍ تؤيد فيها عملية الفرار، وتعتبرها وسيلةً مشروعة لنيل الحرية والخروج من الأسر، وحيت رجالها وأشادت بهم، ودعت إلى حمايتهم ومساندتهم، ومساعدتهم ونصرتهم، والوقوف إلى جانبهم وعدم التخلي معهم، واعتبرت أن معركتهم البطولية هي معركة الشعب كله، التي يخوضها موحداً بكل فصائله وقواه، وجبهةً واحدةً بكل أطياف شعبه وأسراه، وأنه يجب خوضها حتى النهاية، وعدم الانكفاء أو التراجع، أو اليأس والقنوط، فهذه معركة مفتوحة، والسجال فيها طبيعة، وعلامات وبشائر نصرنا فيها كثيرة.
لعل أكثر من نصف عدد المعتقلين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، على مدى سنوات الاحتلال كلها هم من أبناء حركة فتح، الذين يقضون فترات حكمٍ شاقة وقاسية مدى الحياة وعشرات المؤبدات، ويتعرضون خلالها في السجون والمعتقلات، على أيدي جلاوزة السجن وفرق القمع الإسرائيلية، لأسوأ أنواع البطش والقمع والتنكيل، شأنهم شأن جميع الأسرى والمعتقلين من مختلف الانتماءات والولاءات التنظيمية، الذي يعانون جميعاً من سياسات العدو وممارساته القاسية والعنيفة ضدهم، فلا يتميز عنهم معتقلو حركة فتح بحسن المعاملة أو لطف الاعتقال، بل يتشابهون معهم ويتفقون وإياهم، ويشاركونهم الفعاليات النضالية والأنشطة الوطنية، ويخوضون معهم غمار الإضرابات العامة على اختلاف أنواعها، فلا ينقلبون أو يتراجعون، ولا ينكصون ولا يتأخرون، بل يتقدمون الجميع إضراباً ومواجهة، وتصعيداً واشتباكاً.
يتوق الفلسطينيون جميعاً في الوطن والشتات، خاصةً أولئك الذين انتموا إلى فتح يوماً وأحبوها، والذين ما زالوا على العهد معها ويؤيدونها، والذين يقدرون ماضيها ويحترمون رجالها ويحفظون تاريخها، إلى أن تعود إلى سابق عهدها وعظيم مجدها، ثورةً عاصفةً وبندقيةً مشرعةً وحركة غلَّابةً، تقوم بالعمليات النضالية وتصدر البيانات العسكرية، وتنشط في الأرض الفلسطينية خلايا عسكرية ومجموعاتٍ أمنية، وتتماسك في الشتات واللجوء وتتحد، وتتفق مع قوى الشعب وتأتلف، وتلتقي وإياهم على البرنامج النضالي والميثاق الوطني، الذي يصر على البندقية ويعتمد المقاومة، ويتمسك بالأرض كلها وبالثوابت جميعها، ويرفض العدو ويستنكره، وينكره وجوده ويجحد شرعيته، ويدعو لتفكيك كيانه وإنهاء احتلاله.
هذا هو لسان الأسير المحرر زكريا الزبيدي وهو على سرير المستشفى مغشياً عليه، مقيدةً يداه، ومصفدةً بالأغلال قدماه، ومتورمةً من الكدمات عيناه، ومهشمةً من الضرب والركل أطرافه، ومنتفخةً من اللطم والصفع أوداجه، ولكن لسانه بالحق ينطق وبالأمل يَعِدُ، وللحرية يتطلع وللتحرير يعمل، وقلبه بالإيمان يعمر، وفؤاده باليقين ينبض، فقد مد يديه إلى إخوانه في حركة الجهاد الإسلامي وتعاون معهم، وعمل إلى جانبهم وتعاهد على الحرية معهم، وقد آمن أن المقاومة هي السبيل، وأن البندقية هي الأداة، وأن التحرير يلزمه تحدي، والوطن تعوزه التضحية والفداء، والمزيد من البذل والدماء.
أظن أنها رسالةٌ واضحة رصينةٌ، ومباشرةٌ وصريحةٌ، من مناضلٍ فتحاوي أصيلٍ، ومقاتلٍ أسيرٍ حرٍ غيورٍ، إلى حركته فتح الرائدة وذراعها المسلح كتائب الأقصى، التي إليها انتمى ومعها عمل، وفيها ضحى وقدم، وفي سبيلها قاسى وعانى، أنه لا سبيل لمواجهة هذا العدو إلا بالبندقية، ولا قيمة لفصيلٍ بغيرها، ولا لتنظيمٍ بالتخلي عنها، فهي الهوية والنهج، وهي الراية والدرب، وهي التي ترفع حاملها والمقاتل بها، وتسخط من أسقطها من يده، أو حولها من كتفٍ إلى آخر، فهلَّا نغيظُ العدو وإلى البندقية نرجع، ونسيئُ وجهه وإلى المقاومة المسلحة نعود، ونربك حساباته وبالميثاق نتمسك، وبكل الأرض نطالب، ولعلها فتح الولادة، صاحبة الطلقة الأولى والشرارة، وأم الثورة والعاصفة، تصغي السمع للرسالة، وتدرك المطلوب والغاية، وتحمل الراية وتوقد الشعلة، فإننا معاً أقوى وببندقيتنا إلى النصر أقرب.
بيروت في 15/9/2021