أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / بوتين من وجهة نظر عربيّة

بوتين من وجهة نظر عربيّة

السيمر / فيينا / الأحد 13 . 03 . 2022 

اسعد ابو خليل / لبنان 

النظرة إلى بوتين تختلف بين وسيلة إعلاميّة وأخرى. الأمر متوقّع. حلف شمال الأطلسي يتولّى الإشراف على معظم التغطية الإعلاميّة بالعربيّة. في الملمّات، لا مجال للاسترخاء أو التساهل والتهاون. صحف الخليج والمواقع «المستقلّة» (كلمة مستقلّة هي الاسم الحركي للمواقع المموّلة من الدول الأوروبيّة وجورج سورس) استشرست وكادت أن تنزل إلى الميدان بالملابس المرقّطة. «الخوذ البيض» تطوّعت للذهاب إلى أوكرانيا للمشاركة في المقاومة. وتكفّلت ميغا الـ«ناتو» بالرد على أي نقد للدور الأميركي وأحالته إلى عشق ببوتين. إعلام النظام القطري كان يقدّم أوراق اعتماده إلى الإدارة الأميركيّة: نيل صفة «حليف أساس من خارج الناتو» أسال لعاب النظام وخيَّل إليه أن العضويّة باتت أمراً محتوماً. كل إعلام النظام القطري أجمع على تغطية تقتفي بحذافير الإعلام الدعائي الأميركي. صحف السعوديّة أظهرت اختلافاً: صحيفة «الشرق الأوسط» نقلت توجّهات إعلام الغرب فيما كان إعلام المملكة في الداخل يُظهر آراء أقلّ اعتناقاً للموقف الأميركي. الإعلاميّون اللبنانيّون واللبنانيّات باتوا أصحاب قلوب رقيقة فيما يتعلّق بأوكرانيا، فقط أوكرانيا. هؤلاء لم يذرفوا دمعة على ضحايا فلسطين وهم يردّدون ببغائيّاً السرديّة الأميركيّة إياها. أميركا هي الضحيّة مع أوكرانيا، وروسيا المعتدية الوحيدة في العالم وهي التي خرقت النظام العالمي الليبرالي المُستقرّ والمُسالِم الذي أرست دعائمه أميركا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. هذه المواقع تبنّت شيطنة بوتين، وحتى شيطنة روسيا، مع رفض أي بحث في المسؤوليّة الأميركيّة في إشعال الأزمة ـــ حتى صحافيّ الإمبراطوريّة الحربيّة، توماس فريدمان، اعترف بمسؤوليّة أميركا في أوّل مقال له كتبه بعد اندلاع الأزمة، لكنه سرعان ما عادَ وصوّب تعليقاته. والتقرير الرسمي (في النسخة المنشورة، غير السرّية) الذي تصدره وكالات الاستخبارات الأميركيّة عن «تقدير التهديد» ضد أميركا، والذي صدر في شهر شباط يختلف عن تحليلات الغرب عن النوايا الروسيّة. التقرير يخلص إلى القول إن روسيا لا تسعى إلى أزمة أو صراع مع أميركا.

وصورة بوتين العربيّة تتأثّر بالصراعات العربيّة نفسها. التدخّل الروسي في سوريا جعله مداناً ومكروهاً من قبل كل صف المعارضة السوريّة المُسلّحة ومؤيّديها (وهذا يشمل كتّاب ومحلّلي أنظمة الخليج). وفي صف الممانعة، الصورة باتت إيجابيّة بحكم أن روسيا ساهمت في تدعيم النظام السوري. لكن علاقة حزب الله مع روسيا تساورها إشكالات. ففي العلن، هناك لقاءات مستمرّة بين الطرفيْن، وقد زار وفد من الحزب موسكو في العام الماضي، كما أن للحزب سرديّة رسميّة عن دور قاسم سليماني في إقناع بوتين بالتدخّل في الصراع السوري لإسناد النظام السوري عندما كان يواجه فرقاً مسلّحة مدعومة من قبل دول الخليج والغرب. الحزب يعترف باختلاف في بعض وجهات النظر مع روسيا، خصوصاً أن العلاقة الإيجابية بين الحزب وإيران من ناحية، وبين الحكومة الروسيّة لم تتأثّر بالرعاية الروسية المباشرة للمصالح الإسرائيليّة العدوانيّة. هذه الرعاية تتيح لإسرائيل أن تقصف في أي مكان في سوريا إذا كان ذلك في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي. وليس هناك من نقد علني من قبل الحزب أو إيران لهذا الدور الروسي العدواني. لكنّ النظرة إلى بوتين في إعلام الخليج تختلف بين إعلام موجّه للغرب وبين الإعلام المحلّي. تحرص دول الخليج على علاقة جيّدة مع موسكو، وقد تجلّى ذلك في هذه الأزمة قبل أن تفرض أميركا ضغوطاً مباشرة على الإمارات والسعوديّة وتطلب منهما التصويت مع أميركا في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة. أمّا الحكومة اللبنانيّة فقد صوّتت مع أميركا بلا ضغط. حكومة لبنان دائماً تتطوّع للعب دور الذليل الإقليمي والعالمي لصالح الغرب والخليج.

بوتين ليس شخصاً يسهلُ حبّه عن بعد أو عن قرب، حتى من قبل الممانعين المُتعاطفين. شخصياً، ليس للرجل جاذبيّة أو كاريزما ومحاولة البعض بناء صورة شخصيّة عالميّة له تصطدم ببرودته وما يبدو عنه من قساوة. ليس شخصيّة سياسيّة شعبيّة بالرغم من شعبيّته الأكيدة في روسيا، بالرغم من محاولة الغرب تعظيم أي معارضة له ولو كان من قبل فاشيّين أو عنصريّين، مثل أليكسي نافالني الذي كان مجاهراً بالعداء للمهاجرين (وهو يحظى بتغطية كبيرة في إعلام الغرب ونقل عنه هذا الإعلام من سجنه هذا الأسبوع أنه دعا الشعب الروسي للخروج بالآلاف لمعارضة بوتين، ولم يكن هناك استجابة. يريدون بالقوّة تحويله إلى مانديلا، كما حوّل البعض سمير جعجع إلى مانديلا وغاندي وعبد الناصر). وبوتين ليس مُغرماً بنا، نحن العرب والمسلمين. ليس له من آراء متعاطفة. وفي آخر لقاء بين ترامب وبوتين، نقل الأوّل عن الثاني إعجابه الشديد بشخص نتنياهو. وسياسات روسيا تتوافق مع ذلك. وتقيم روسيا علاقات حسنة مع دول الخليج لكن وزير الخارجيّة الروسي شتمَ وفداً سعوديّاً ووصف أعضاءه بالأغبياء (لم يكن لافروف يدري أن الميكروفون كان لا يزال مفتوحاً).

مرّت علينا شخصيّات روسيّة كثيرة في التاريخ العربي المعاصر. كانت شخصية ستالين قويّة وتاريخيّة، وإن كان التنديد بستالين واجباً من قبل الليبراليّين الراغبين باللحاق بالدعاية السياسيّة الغربيّة. هو واجب أن تؤكد إدانتك لستالين، ولكن ليس واجباً نبذ وإدانة حكام الغرب في الحرب العالميّة الثانيّة والذين ارتكبوا جرائم حرب فظيعة ورموا قنابل نوويّة على سكّان مدنيّين في اليابان. ستالين كان متأثّراً بالكتابات الماركسيّة التي تنظر إلى التاريخ في مراحل «البيان الشيوعي» وكانت النظرة إلى إسرائيل أنها متقدّمة مقابل العرب المتخلّفين في التطور الاقتصادي. العرب كانوا للاشتراكيّين الروس فلاحين متخلّفين لا يضمّون العمّال الصناعيّين كما في إسرائيل الفتيّة. نيكيتا خروشوف كان صديقاً للعرب، أو هكذا كان يُقال لنا ويُصوَّر لنا. كان غريب الأطوار في الإطلالات العامّة لكنه أحبَّ جمال عبد الناصر. يذكر رفاق جمال عبد الناصر أنه تألّم لرحيل خروشوف في عام 1964، وحلول الترويكا مكانه. لم يصبح برجنيف رمز القائد السوفياتي الأوحد إلا في أواخر الستينيّات وأوائل السبعينيّات. لم يتبنَّ الاتحاد السوفياتي القضايا العربيّة إلا بالقدر الذي خدمت مواقف الدول العربيّة سياساته ومصالحه. كان الاتحاد السوفياتي يطلب من الدول العربيّة الحليفة أقلّ بكثير مما كانت أميركا تطلب وتتطلّب من حلفائها من العرب. لكن أميركا كانت تغدق من المساعدات على إسرائيل بعد عام 1967 (وقبلها فرنسا قبل عام 1967) أكثر بكثير ممّا كان الاتحاد السوفياتي يمدّ العرب به. لكن حلفاء الاتحاد السوفياتي العرب قدّموا القليل في المقابل: بدلاً من التحالف مع المنظومة الشيوعيّة، قدّم عبد الناصر عدم الانحياز في زمن كان فيه الانحياز واجباً إلى جانب الدول الاشتراكيّة وفي مواجهة «العالم الحرّ» الذي حرمنا نحن العرب من الحرّية. بدلاً من التساهل مع الشيوعيّين المحليّين، قامت الأنظمة العربيّة المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي في مصر وسوريا والعراق وليبيا بقمع أو قتل أو حرمان الشيوعيّين من العمل السياسي. ولم يعِ برجينيف أهميّة عبد الناصر إلا بعد استقالته في عام 1967. الاستقالة كانت رسالة إلى موسكو أكثر ممّا كانت رسالة إلى أميركا. هو سمّى زكريا محيي الدين خليفةً له، لأنه كان معروفاً عنه أنه مقبول من الأميركيّين (نشرت وزارة الخارجيّة الأميركيّة قبل سنوات وثيقة عادت وأزالتها عن الموقع وهي رسالة ديبلوماسية وفيها نص حديث مع زكريا محيي الدين وفيه يتحدّث مع ديبلوماسيّين أميركيّين عن صحة عبد الناصر. أذكر أنني أرسلتُ نسخة عنها إلى المؤرّخ اللبناني محمود حدّاد، الذي يحتفظ بها على الأرجح). خاف الاتحاد السوفياتي من استسلام عبد الناصر أمام المعسكر الأميركي.

كان الاتحاد السوفياتي يحتاج إلى عبد الناصر لأنه كان رمزاً في العالم الثالث، وللعالم الثالث. مواقف الاتحاد السوفياتي من الشيوعيّين العرب كانت ضاغطة ومتطلّبة. بدءاً من قرار التقسيم مروراً بمعارضة مشروع الوحدة بين مصر وسوريا حتى انطلاق المقاومة الفلسطينيّة، كان الاتحاد السوفياتي لا يرتاح لمواقف الراديكاليّين العرب. ضغط على المنظمات الفلسطينيّة من أجل تخفيف اللهجة والقبول بوجود إسرائيل. الاتحاد السوفياتي هو المسؤول عن شقّ الجبهة الشعبيّة بين التنظيم الأم وبين فرع «العمليّات الخارجيّة»، مع أن وديع حداد أقرّ لرفاقه في الجبهة بأن الـ«كي.جي.بي» كان يُشرف على عمله (وأرشيف «متروخين» المشبوه الذي لا يُعوَّل عليه يتحدّث عن ذلك، لكنني سمعتُ عن إقرار وديع حداد بإشراف الـ«كي.جي.بي» على عمله من قيادي بارز في الجبهة الشعبيّة). لكن ماذا قدّم الاتحاد السوفياتي للمنظمات الفلسطينيّة غير السلاح (غير النوعي أو الرادع) والتمويل؟ لكن في المقابل، ألم يكن من حق الاتحاد السوفياتي أن يرتاب من منظمة تحرير ومن حركة وطنيّة كان الكثير من قادتها أقرب إلى أميركا ممّا كانوا منها؟ كيف يثق الاتحاد السوفياتي بسلاح نوعي في أيدي عرفات أو جنبلاط أو توفيق سلطان أو خالد الحسن أو زهير محسن؟ ثم هل كان هناك مشروع تحرير جدّي كي يقوم الاتحاد السوفياتي بدعمه؟ لكن الاتحاد السوفياتي كان صريحاً في كل مراحل الصراع العربي ـــ الإسرائيلي ـــ وحتى في زمن عبد الناصر ـــ بأنه لا يدعم هدف تحرير فلسطين. كان سقف مطالب الاتحاد السوفياتي هو دولة فلسطينية في الضفة والقطاع فقط. وكان سقف الاتحاد السوفياتي في لبنان في الحرب الأهليّة هو الحفاظ على نقاط التماس وعدم تسعير الحرب وكسر شوكة القوى الوطنيّة (كان الاتحاد السوفياتي معارضاً للتدخّل السوري في عام 1976، خصوصاً أن التدخل كان مرعياً\مؤيّداً من قبل أميركا وإسرائيل ودول الخليج).

رحيل عبد الناصر ترك الاتحاد السوفياتي في حيرة. مَن تؤيّد من قادة دول لم يبرز منهم زعيم على مستوى العالم العربي. أصبحت العلاقة علاقة ثنائيّة بين عدد من الدول، وتحكمها اتفاقيات. وجحود النظام المصري الساداتي للاتحاد السوفياتي وطرد الخبراء السوفيات (أو «الروس» على قول السادات) من أجل إرضاء واشنطن كانا صفعة محرجة لهم. وكان هذا الطرد مفيداً لإسرائيل في حرب 1973 لأن الخبراء الروس كانوا مسؤولين عن تطوير القدرات القتالية للجيش المصري في مواجهة إسرائيل (قارن رعاية الجيش الأميركي للجيش المصري اليوم، والذي تعدّه أميركا لقتال «حماس» والمنظمات الفلسطينيّة. رعاية أميركا للجيوش العربيّة تضمن عجزها وضعفها وقصورها).

مرحلة أندروبوف كانت قصيرة لكن كافية لإنعاش أحلام عربيّة. وصل إلى رئاسة الحزب الشيوعي في أواخر 1982 في فترة كان الإحباط سيّد الموقف بين أوساط اليسار العربي والقوى التي كانت تحلم بتحرير فلسطين ومواجهة دول الغرب. كان الجميع على قناعة بأن أندروبوف سيتحدّى مخططات إسرائيل وأميركا في المنطقة. لكن الاتحاد السوفياتي ـــ وقد يكون ذلك من نقاط ضعفه ـــ تجنّب مواجهة الولايات المتحدة التي كانت معتدية في معظم الدول العالم. الاتحاد السوفياتي كان دفاعياً أكثر ممّا كان هجومياً. نعلم اليوم ممّا نُشر عن مداولات المكتب السياسي للحزب الشيوعي الروسي أن أندروبوف مثلاً كان معارضاً (في البداية) للتدخل العسكري في أفغانستان، وهو الذي منع التدخل السوفياتي في بولندا بعد صعود حركة «التضامن» العمّاليّة الرجعيّة. وكان سبب تمنّعه أن التدخل السوفياتي يمكن أن يفتح أبواب مواجهة مع أميركا ويعرقل اتفاقات الحدّ من التسلّح. الاتحاد السوفياتي كان بجدّ داعماً للسلم العالمي، خلافاً لأميركا. ولا ننسى أن أندروبوف هو الذي زكّى غورباتشوف في مرحلة صعوده.
مرحلة يلتسن كانت مُدارة بالكامل من الولايات المتحدة. كان ينفّذ الأوامر مقابل أن يعتاش من نظام الفساد ويرتكب ما يريد من جرائم في الشيشان وغيرها (قُتل في حرب الشيشان الأولى أكثر ممّا قُتل في الثانية). سخّرت أميركا البنك الدولي وصندوق النقد للعمل كصندوق تمويل لحملات يلتسن الانتخابيّة. صعد بوتين بتشكيك غربي لكنه كان مساعداً للولايات المتحدة حول العالم وخصوصاً في مجلس الأمن حيث كان حتى عام 2011 والقرار 1973 الخاص بليبيا) مجرّد مصفّق للقرارات الأميركيّة (أو كان مُعترضاً صامتاً). ولم تكن العاطفة تتحكّم بمواقف الاتحاد السوفياتي من العرب، وحتماً لم تكن تتحكّم بمواقف بوتين. كان بوتين منذ بداية عهده قريباً جداً من دولة العدوّ. التحالف بين الطرفيْن تأسّس وترسّخ على عهد بوتين لا على عهد يلتسن. وكانت مواقف بوتين واضحة في عدم عرقلة عدوان إسرائيل والاكتفاء ببيانات استنكار باهتة عندما تفرط إسرائيل في ارتكاب المجازر. ولوبي المهاجرين الروس في إسرائيل عمل، بمساعدة من بوتين ورعاية منه، على تنمية العلاقة بين الطرفيْن. ووجد بوتين نفسه أمام عالم عربي كلّه متحالف مع الحكومة الأميركيّة ويوليه مصالحها على مصالح أي دولة أخرى، وحتى على مصالح الدول العربيّة نفسها. لم تعد منظمة التحرير موجودة كي تمثّل صوتاً يندّد ولو لفظاً بالمواقف الأميركيّة الشديدة العداء للعرب بصورة عامّة. حتى اشتراكيو الجزائر هادنوا الولايات المتحدة.

تحوّل بوتين بعد التدخّل العسكري الروسي في سوريا إلى بطل قومي عند الكثير من الممانعين. بعضهم أطلقَ عليه وصف «بو علي بوتين» وهناك تغزّل بتدحرج دبّاباته في أوكرانيا. والصحافة الغربيّة تعترف أن إسرائيل كانت متردّدة في اتخاذ موقف ضد التدخّل الروسي في أوكرانيا لأنها حريصة على الاتفاق بينها وبين بوتين، والذي يسمح لها بقصف مواقع تابعة للنظام السوري وإيران وحزب الله ـــ وأي حركة تقاوم أو تزعج إسرائيل ـــ في سوريا. هذا هو الحليف العربي. كل الدماء التي سالت نتيجة أكثر من 250 غارة إسرائيلية على سوريا يتحمّل بوتين مسؤوليّتها. ومن الواضح أنه لا يريد أن يمنع إسرائيل من ممارسة القصف في سوريا. كان دوره في سوريا محدّداً، ونحن لا نعلم طبيعة المحادثات بينه وبين سليماني والتي على أساسها تدخّلت روسيا في سوريا.
لكن موقف الليبراليّين أو اليساريّين العرب المتعاطفين مع الـ«ناتو» أظرف بكثير. هؤلاء يستعملون الحجّة التي باتت لازمة في بيانات وتصريحات يسار الناتو حول العالم، أنه يجب التنديد بإيران وروسيا لأن هناك أكثر من إمبريالية في العالم، وأن إيران وروسيا، وحتى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة الشعب، يمثّلون إمبرياليّة خطيرة. لكن الحجّة هذه سرعان ما تنهار. أقرأ مثلاً بياناً عجيباً لـ«الملتقى الفلسطيني» من هذا الأسبوع: هو يتعاطف مع الشعب الأوكراني ويقول إن محنة الشعب الأوكراني على مدى أسبوع واحد هي نفس محنة الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من قرن ـــ قرن واحد ـــ من الزمن. هذه المقارنة هي مثل مقارنة وزير الخارجية الأميركي هذا الأسبوع بين حصار لينينغراد (الذي قُتل فيه أكثر من مليون ضحيّة ـــــ أكثر من عدد ضحايا أميركا وبريطانيا في الحرب مجتمعين) وبين حصار ماريبول في أوكرانيا. وبيان الملتقى الفلسطيني يُبرّر لهجته الحادة ضد روسيا (بالحصر) عبر استخدام حجّة دعاية يسار الناتو: إن هناك أكثر من إمبريالية في العالم. حسناً، لكن لماذا لا ينتقد البيان إلا «إمبرياليّة» روسيا ويتغاضى عن إمبرياليّة أميركا؟ أم أن الإمبرياليّات تختلف من حيث الخفّة والجاذبيّة؟

الاخبار اللبنانية

اترك تعليقاً