السيمر / فيينا / الأحد 07 . 08 . 2022
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
ليس فَجراً بل هو الفُجرُ بعينه، فالفَجرُ أبلجٌ أبيضٌ باردٌ صافي، وفُجرُهم أسودٌ قاتمٌ باغيٌ ظالمٌ،
والفَجرُ سلامٌ ومحبةٌ، وصلاةٌ وذكرٌ، وفُجرُهم عدوانٌ وحربٌ، ودمارٌ وقتلُ،
والفَجرُ حياةٌ وفُجرهم موتُ، وأهلُ الفَجر أبرارٌ وصناعُ الفُجرِ فُجَّارٌ،
وهيهاتَ لفُجرٍ أن ينتصر على الفَجرِ، أو يطفئ نوره ويمنع بزوغه، فما بعد الفَجرِ نورٌ وضياءُ، وما بعد الفُجر موتٌ وفناءُ،
فالفَجرُ أقسم به رب العزة وعظمه، وفُجرهم دانه وحقره، وللفَجرِ رجالٌ نستبشرُ بهم، وللفُجر شياطينٌ نستعيذ بالله السميع العليم منهم، وأهل الفَجر يسبحون، والفُجّار يُلعنون ويُرجمون،
أطلقوا على عدوانهم البغيض اسم “الفجر الصادق”، وهم أكثر من يعلم أنه فجرٌ كاذبٌ، وأنه لا صبح بعده ولا نورَ يرتجى منه، فهم الفُجار في خصومتهم، والكفار في ملتهم، والمغضوب عليهم من خالقهم،
وهم كما سرقوا الأرض واغتصبوا الحقوق، ودلسوا وزوروا وكذبوا وخدعوا، ونسبوا إلى أنفسهم ما ليس فيهم، وادعوا ملكية ما ليس لهم، فقد سرقوا منا الفجر، ونسبوه لأنفسهم وهو لا يعرفهم، بل هو عدوهم منذ وجدوا على الأرض، وحاربوا الرب وقتلوا أنبياءه،
قد لوثوا اسم الفَجر وشوهوه، وغيروا معناه وبدلوا حقيقته، وألبسوه ثياباً من نارٍ، وشواظاً من لهب، وهو الذي اعتدنا على نسائمه العليلة، وأنواره البهيجة، وأنفاسه الطيبة،
اختارت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية اسم “الفجر الصادق” على عدوانها الخامس حرباً على قطاع غزة، اعتقاداً من قيادة الأركان الراحلة قريباً، أنهم سيرممون بها جيشهم، وسيحسنون سمعته، وسيعوضون خسارتهم، وسيستدركون ما فاتهم، وسيحققون بعضاً من أهدافهم التي فاتتهم خلال كل الحروب السابقة، وعجزوا عن تحقيقها رغم فائض القوة وقسوة السلاح،
شعبنا بحول الله واثقٌ، ومقاومتنا بإذن الله قادرةٌ، ولن يخفينا فجورُ العدو ولا ترسانة أسلحته، ولن يفت في عضدنا تهديده ووعيده، ولن يفل عزمنا جمعه وعديد أحلافه، فنحن الأقوى ما مضينا على الحق، وصبرنا على الألم، وَجُدْنا بالدم، وضحينا في سبيل الوطن
سيعود إلينا فجرناً أبلجاً ومعه فلق الصبح أبيضاً، وسيبوء العدو بعدوانه حسرةً وخسراناً، وسيجني جراء عدوانه شوكاً وألماً، ولن يفرح بنصرٍ يحلم به، ولن يحقق تفوقاً عمل عليه، ولن ينال من المقاومة التي أوجعته، ولا من رجالها الذين أدموه وآلموه،
وسيعود رجالنا ذات صباح يحملون على أكتافهم بنادقهم، وفي أيديهم غنائم معاركهم، وستستقبلهم نساء فلسطين بالأغاني والأهازيج، والمهاهاة والزغاريد، كصيادي البحر العائدين بسلالٍ ملأى بالسمك، وقلوب تعج بالفرح، وضحكاتٍ عاليةٍ تسمع البلاد كلها صداها،
ألا أيها الفجر الصادق إننا على موعدٍ معك كما الوعد الصادق والطير السانح، على موعدٍ مع نصرٍ على عدونا تجلبه، وطردٍ له تحققه، ونارٍ تحته تحرقه، ولعنةً عليه تلاحقه،
فجرنا الصادق نصرٌ يتنزل، ووعدٌ يتحقق، وقلوبٌ تفرح، وشعبٌ يعود، وعلمٌ يرفرف، ورايةٌ ترفع، وهو أملٌ يتحقق، ورجاء يقبل، ودعاءٌ يستجاب.
*كاتب من ارض فلسطين العربية المحتلة
بيروت في 7/8/2022