السيمر / فيينا / الجمعة 23 . 06 . 2023
عباس البخاتي
معاجم اللغة العربية غنية بالمعاني اللغوية، التي تدل عليها مفردة “زعطوط” والتي جاءت كلمة “زعاطيط” جمعا لها.. لكن ما يهمنا هو الاستخدام الإصطلاحي الدارج محليا، والذي يشير للسلوكيات الصبيانية التي يقوم بها الفرد البالغ.
تعًدْ الرياضة من أهم المجالات التي حظيت باهتمام النخب والجماهير، بغية إلحاق العراق ضمن قافلة التقدم التي تشهده دول العالم، وكان هنالك سعي حثيث لرفع الغبن عنه، جراء الحضر الدولي على ملاعبه، رافق ذلك مفاوضات معمقة مع المؤسسات الرياضية الدولية للحصول على الإعتراف الكامل بسيادة العراق، وجاءت الحملة العمرانية الكبرى لانشاء واعادة تأهيل المرافق الرياضية، كواحدة من آليات اثبات جدارة البلد، واهليته لاستضافة منتخبات العالم على أرض الرافدين.
تم ذلك لتنتهي عقود من العزلة الدولية، وحرمان الجماهير من مؤازرة المنتخبات الوطنية، التي فقدت العديد من الاستحقاقات، جراء غياب عامل الجمهور، المتفق على تأثيره المباشر، في تحقيق المنجز الرياضي في مجالاته المتعددة.
تتفق الأعراف الرسمية والشعبية، وجميع اللوائح والبروتكولات المعنية بالشأن الرياضيي، على عدم تدخل المواقف السياسية والعلاقات الدولية في الشأن الرياضي، ووجوب إحترام الوفود الرياضية، كون اعضاءها ضيوفا على دولة ما قدموا من دولة أخرى، فكيف والحال هذه اذا كانت الدولة المضيفة، هي العراق وشعبه المضياف؟ الذي عرف بكرمه وحفاوته بضيوفته، وهو ما تسالم عليه الجميع، ويؤكده أرثه العشائري والعربي، باعتبار أن كرم الضيافة من أهم الموروثات القيمية، التي تعاهد أبناء الرافدين على الحفاظ عليها جيلا بعد جيل، ناهيك عن تعاليم الدين الحنيف، التي تؤكد هذا المعنى، وتعطيه اهتماما خاصا، خصوصا وإن الواقع العراقي على طول التأريخ، يعتبر ارضا خصبة لرعاية تلك المفاهيم، والتأكيد عليها كخطوط حمراء، لا يمكن تجاوزها حتى مع الأعداء، والشواهد على ذلك كثيرة، لا حاجة لذكرها.
على ما يبدو ان التراكمات الذهنية الخاطئة، التي تعمدت بعض المسميات، التي تيقنت من افلاسها على الصعيد السياسي والاجتماعي _ بزرعها في ذاكرة الجيل المعاصر، قد اثرت على إدراك فاقدي الوعي والبصيرة، فما كان منهم إلا أن يصدروا تصرفات، مغايرة للموروث القيمي والديني، الذي اشرنا اليه.
بالمقابل فإن أهل الفطنة والبصيرة، ولنقل اهل الحرص على رعاية هذا الموروث، قد وجدوا انفسهم بحرج شديد أمام ضيوفهم من تصرفات “الزعاطيط” وهتافاتهم الهابطة، التي لا تعبر عن ثقافة وخلق العراقيين!
ان الحديث عن العلاقات الدولية، لا يعني تبعية المتحدث او عمالته لها، بقدر ما هو التركيز على مصالح العراق، وتنظيم علاقاته مع تلك الدول، وعليه فأن الهتاف الذي وجه لامريكا وإيران، من داخل الملعب الذي أقيمت عليه المباراة النهائية، يعكس مدى الانحدار في التفكير، وضحالة الوعي الذي وصل اليه البعض، ممن غابت عنهم حقيقة مفادها، أن أمريكا المستهدفة يهذا الهتاف، هي من اسقطت نظام البعث، الذي تسبب بحرمان العراق من اللعب على أرضه لمدى ثلاثة عقود، ناهيك عن إيران كدولة جارة، تجمعها بالشعب العراقي كثير من المشتركات، أهمها البعد الإسلامي والمذهبي، وموقفها الإيجابي من الحالة العراقية، التي تشكلت عقب إسقاط صدام، ودورها المساند للجهود العراقية في محاربة الإرهاب، إضافة لموقعها الجغرافي الذي يشكل متنفسا مهما لمختلف الشرائح العراقية، التي تقصدها سنويا عشرات الآلاف لغرض السياحة والعلاج، وزيارة العتبات المقدسة هناك، فهل عجز الناقمون على هاتين الدولتين، عن جمع العدد الكافي من الأشخاص، للتظاهر أمام سفارتيهما، بدلا عن تعكير صفو الأجواء المثالية، التي نجح العراق في توفيرها لإنجاح البطولة؟ أم أن المياه الآسنة التي تغدى عليها هؤلاء، هي من الصنف الذي يصعب تنقيته؟