السيمر /النمسا /السبت 09. 09 . 2023
د.ماجد احمد الزاملي
أنًّ النصوص القانونية على إختلافها أي من نصوص دستورية، وتشريعية، ولائحية، تمنح وتتيح للفرد التمتع بحرياته وفق مقتضيات يتطلبها عدم المساس بالنظام العام. ومنها فالنصوص الأولى أي الدستورية لا يثور بشأنها أي إشكال، نظرا لما تحققه من إقرار للحقوق والحريات بصفة عامة. فهذه الأخيرة تجد في كنف النصوص الدستورية أسمى ضمانا لها، بعكس النصوص الأخيرة أي اللائحية منها، والتي لا ينتظر منها في الكثير من الحالات سوى المساس بحقوق الفرد وحرياته، باعتبار أن السلطة القائمة عليها، أي الإدارة تميل في الكثير من الأحيان إلى تقييدها. ولهذا السبب اختصت السلطة التشريعية لإعتبارات عدة بمسألة تنظيم الحقوق والحريات العامة ,غير أن الإشكال الذي يثور في هذه الحالة، هو عندما يمارس البرلمان سلطته التشريعية ليرسي القواعد التطبيقية لإرادة السلطة التأسيسية، من خلال الإلتزام بما يقره الدستور، فإذا به ينحرف عن تلك الإرادة، فيكون إرساء تلك القواعد مشوباً بعدم الدستورية. فعلى الرغم من مبدأ الاختصاص التشريعي في تنظيم الحريات، إلاّ أن المشرع قد يغالي فيما يصدره من قوانين، في تقييد الحرية والانتقاص منها. ومن ثم يثور التساؤل حول معرفة حدود سلطة المشرع في تنظيم الحرية. فحينما يقر الدستور حرية من الحريات، أو حقا من الحقوق، ويعطي للمشرع العادي السلطة التقديرية للتدخل بتنظيم كيفية ممارسة هذه الحرية وطرق استخدامها، تدق التفرقة فيما إذا ما خرج المشرع عن الحدود الدستورية، وأورد قيوداً على تلك الحرية موضوع التنظيم، بين التنظيم المباح للحرية، وبين فرض القيود التي تحول دون التمتع أو تجعل على الأقل ممارستها أمراً صعباً على الأفراد. فيصبح النص الدستوري الكافل للحرية حبراً على ورق لا ضمانة ترجى منه، ولا حق من خلاله يُشَّرع. وغني عن البيان أن إطلاق العنان للحريات العامة بشأن ممارستها قد يفضي إلى نوع من الفوضى والاضطراب، يسود معه بالموازاة مساساً بالنظام العام. فمن اللزوم والحال هذه أن تُنظم الحريات على نحو يُصان معه النظام العام، بحيث تصبح الحرية في حد ذاتها ممكنة ,وعملية ففكرة النظام العام لا تتعارض مع الحريات العامة، بل على العكس من ذلك أن التنظيم هو الذي يوفر لها إمكانية الوجود الواقعي. ومن هنا كان التنظيم، ضرورياً لممارستها. على أن ذلك لا يعني إهدار الحريات والعدوان عليها، وإنما هو عنصر في تعريفها. وإذا كان الأمر مستقراً عليه في عدم إطلاق الحريات العامة بدعوى عدم المساس بالنظام العام، فإن هذا التقييد لا يعني بالمقابل الحد المطلق من ممارسة الحرية. لأن إلغاءها لا يكون أصلاً حتى بتشريع، والذي هو الطريق الأنسب لتنظيمها هذا من جهة, ومن جهة أخرى، كان من الواجب كذلك عدم تعارض ممارسة بعض الحريات مع ممارسة البعض الآخر منها، إذ تُعتبر في هذه الحالة بمثابة ضوابط وحدود على بعض الحريات، تفادياً للتناقض المحتمل حدوثه. وبالقياس على ذلك، فإن هناك نوعا من التعارض بين حرية استخدام الطريق العمومي للمرور، وبين حرية استخدامه في ممارسة حرية الاجتماع العام والتظاهر، أو في التجارة المتجولة. فلا يعقل في مثل هذه الحالة أن يكون التوفيق، بين ممارسة هذه الحريات جميعها في آن واحد وفي نفس المكان. فالأمر هنا سوف يخرج عن طابعه العادي، ويتحول إلى اضطراب وفوضى عارمة قد تشمل باقي الحريات الأخرى. ومن ثم تتأزم الأوضاع، وتخرج عن السيطرة والتحكم فيها. وهو أمر سلبي بالنسبة لممارسة الحريات العامة، خاصة وأن هذه الأخيرة تتنافى وهذه الظروف، لما فيها من تقييد لها. لذلك إستلزم الأمر خلق نوع من الموازنة بين ممارسة هذه الحريات.
إن خلو النصوص الدستورية والقانونية في مختلف التشريعات من وضع تعريف و تحديد ماهية حق الدفاع جعل الفقه يتصدى لهذه المسألة،فالفقهاء لم يتفقوا حول تحديد ماهية الحق في ّ الدفاع، حيث ذهب البعض إلى القول بأنه: ” تمكين المتهم من درء ّ الإتهام عن نفسه، إما بإثبات فساد دليله أو بإقامة الدليل على نقيضه وهو البراءة . حق الدفاع هو من المبادئ العالمية المعتمدة كضمان من ضمانات المتهم اتجاه الإجراءات المتخذة ضده على المستوى الجنائي حيث أمسى حق الدفاع مبدأ مسلماً به لا مجال للحيدة عنه ويترتب على إغفاله الإخلال بحق المتهم بالدفاع عن نفسه وبطلان كافة هذه الإجراءات وقد انعكس هذا المبدأ جلياً على التشريعات الدستورية حيث أن غالبية الدساتير الحديثة قد نصت على حق المتهم في الدفاع والحق في محاكمة عادلة وبإجراءات قانونية متخذة بحقه على قدم المساواة مع الآخرين (المساواة في الخصومة) ودون الإخلال بأي ضمان من الضمانات التي يكفلها حق الدفاع ونحن بهذا الصدد لن نحصي عدد الدساتير التي نصت أو أوردت هذا الحق ضمن نصوصها وإنما نورد بعض النصوص على سبيل المثال لا الحصر إذ نستطيع القول بأنه لا يوجد دستور من دساتير العالم خالٍ من النص على هذا المبدأ سواءً ورد النص عليه صراحةً أو ضمناً، إذ أن مبدأ الدفاع يقتضي المساواة بين الخصوم حتى لو كانت الإدارة أحدهم وهذا لايمكن تحقيقه إلاّ من خلال إجراءات محايدة تضمن هذه المساواة وصولاً لتحقيق مفهوم العدالة باعتبارها خدمة عامة تكفل للمواطنين المعاملة على قدم المساواة وخصوصاً إذا ما كانت الإدارة طرفاً في هذه الخصومة لما تتمتع به الإدارة من امتيازات مقررة لها بموجب القانون يجعلها في موقع يعلو على موقع الموظف مما يخل بموازين الخصومة التي تنشأ بين الطرفين. ويتمتع المتهم بجملة من الضمانات التي أقرها الدستور،فنصت المادة(15) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 على مايأتي(لكل فرد الحق في الحياة والامن والحرية ،ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها الاّ وفقاً للقانون،وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة)،كما نصت المادة (37/أ) على أن(حرية الانسان وكرامته مصونة) وأكدها القانون أثناء تنفيذ امر القبض ، القبض هو الأمر الذي تصدره سلطة التحقيق لاحد المحضرين او احد مأموري الضبط بضبط المتهم واحضاره امامها لاستجوابه. قيمة الحق فى الدفاع كضمانة أولية مرتبطة بسير المحاكمات العادلة، وقبل المواثيق والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان قد أولته الشريعة الإسلامية عنايتها، وقد تطرقت إليه فى حديثها عن دور الدفاع كحق من حقوق الإنسانية ككل وذلك عبر قوله سبحانه «ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا»، وقوله تعالى: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا»، ثم أولته المواثيق الدولية عنايتها الفائقة بداية من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، مرورا بالاتفاقيات الإقليمية، ولكن من أهم ما يمكن لفت الانتباه إليه هو ما جاء فى العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، فقد جاء نص المادة 14 من هذه الاتفاقية على أنه: «جميع الأشخاص متساوون أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر فى أى تهمة جنائية ضده أو فى حقوقه والتزاماته فى إحدى القضايا القانونية، فى محاكمة عادلة وطنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا إلى القانون»، وكذلك الأمر بخصوص الدساتير على مستوى بلدان العالم بأسره .
مبادئ حقوق الإنسان ومجمل المعاهدات والمواثيق الحقوقية التي شرعتها هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، تعتبر الفضاء المناسب لفتح الافاق الواسعة والخبرات المتعلقة بحقوق الإنسان. وعليه، فاختيار الديمقراطية:” كنهج في تدبير الشأن السياسي وكممارسة وتربية أصبح اختيارا لا رجعة فيه، بل وأصبح معيارا للاندماج في المجتمع الدولي. وأي مساس به أو خروج عن مبادئه أو خرق لسلوكاته يكون كل ذلك مدعاة للتنديد والعزل والإقصاء, و تعرّض أية دولة لذلك يعني استحالة أن تحقق تنميتها وارتقاءها والاستفادة مما يتيحه التضامن الدولي..إلا انه ومع الاخذ في الاعتبار جميع الاختلافات التي تشوب الفقه حول تعريف الديمقراطية وجميع مقوماتها ,يمكن التأكيد على وجود مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تمثل الاساس الراسخ لاي نظام ديمقراطي أينما وجد.وعند غياب هذه الحقوق الاساسية لايمكن الحديث عن بناء ديمقراطي سليم يحترم رأي الشعب ويسعى لخدمة مصالحه.ومن الحقوق التي تعتبر الاساس التي تبنى عليه الحقوق الاخرى ,وهذه الحقوق هي حق الحياة ,تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو أللاإنسانية او الحاطة من الكرامة,عدم التمييز والمساواة,تحريم الاسترقاق والاستعباد , والحق في الامن والسلامة الشخصية. من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء. وتقابل كلمة الديمقراطية الدكتاتورية والأوتوقراطية اللتان تحيلان على الحكم الفردي وهيمنة الاستبداد المطلق. كما تقترب الديمقراطية من كلمة الشورى الإسلامية وإن كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية. وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات. ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. لقد ألغت الديمقراطية أي شكل من أشكال التسلط على الفرد. ولم تجعل عليه سلطة إلاّ سلطة العقل ، وبذلك حقق الفرد استقلالية تامة عن أي شكل من أشكال التبعية أو الإلزام، خصوصاً فيما يتعلق بالأفكار وطرق التفكير والمعتقدات والآراء السياسية إلخ.. فاستقلالية الفرد تعني استقلالية العقل الذي أصبح حراً في خياراته ويجسد الإرادة الحرة للإنسان في اتخاذ القرارات التي تناسبه بما يتلاءم مع الإطار العام للمجتمع. إن المشروع الديمقراطي يتطلب اعتماد بناء معرفي قائم على قيم علمية إنسانية، حيث أن التفكير العلمي يبقى المدخل الأساسي للعقلانية، و العقلانية هي المدخل المعرفي الأساسي للديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تُمارس على أساس عقلاني هدفها الإنسان الفرد بالدرجة الأولى تبقى ناقصة ومشوهة، لأن الديمقراطية القائمة على العلم والوعي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة والمساواة في كافة أشكالها “السياسية و الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية” للفرد، و بالتالي للمجتمع ككل، أي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق التوازن في بنية المجتمع دون النظر إلى اعتبارات أخرى “مذهبية، قبلية، أثنية، عشائرية”، وهذا جوهر العلاقة بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأن الديمقراطية تنظر إلى العمل و العقل كمحددين أساسيين من محددات التقدم، و ذلك على اعتبار “إن ما هو جذري وذو قيمة أساسية وحاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان نفسه، فهو إنسان العمل و الإنتاج و المعرفة، إنسان الخلق والإبداع والحضارة، عكس إنسان التواكل والتسليم”. الديمقراطية لم تشكل مع مرور الزمن تراثا أوتقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، ولم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، و هذا يعود إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا “كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته” وهذا سيتم استيعابه والخروج منه من خلال الإيمان بالإنسان وحقوقه التي نصت عليها المعاهدات و الإعلانات و المواثيق الدولية. وقد برز مع الديمقراطية أمرا هاما هو حقوق الإنسان الذي تجسّد تطبيقه تطبيقا بشكل حقيقي باحترام الحريات العامة. فحقوق الإنسان مثل الحق في التعبير والفكر والمعتقد والاختيار واحترام كرامته… يدخل في صلب مفهوم الديمقراطية. وتطبيق الديمقراطية هو الذي ارسى بشكل أساسي في تلك الحقوق، وتحويلها إلى قوانين مؤسسية يتمتع بها جميع المواطنين في أي مجتمع ديمقراطي، من خلال تأكيدها وفي باب خاص في جميع الدساتير الديمقراطية التي تنظم المجتمع وتفصل سلطاته وتعطي لكل فرد حقه وكيفية ممارسته وفق القانون ,احتلت النصوص الداعمة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية موقع الصدارة فى الإعلانات والمواثيق الدولية ذات الصلة ، وأفردت الدساتير فى الدول الديمقراطية نصوصا قاطعة لا تحتمل اللبس أو التأويل لتعريف هذه الحقوق والحريات بمختلف تجلياتها الفردية والإجتماعية. بل إن بعضا من هذه الدساتير أسبغ على هذه النصوص صفة السمو الموضوعى والشكلى معا بترقيتها الى مستوى ” المبادىء فوق الدستورية ” أو الحقوق الأزلية غير القابلة للتصرف ، والتى لا يجوز تعديلها فى أى تشريع دستورى لاحق. أي ان الحرية هي احترام القوانين في الانظمة الديمقراطية .وقد عززت الديمقراطية من دور الفرد في المجتمع الحديث، وأصبح الركيزة التي يقوم عليها وعليها يتم قياس تطوره وتقدمه. حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية، فتعريف المتعلم بحقوقه وواجباته تجعله يعرف ماله وما عليه، وتدفعه للتحلي بروح المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخرين مع نبذ الإرهاب والإقصاء والتطرف. هذا، وقد أرست المجتمعات الليبرالية اليوم مجموعة من الحقوق الكونية التي اعترفت بها هيئة الأمم المتحدة وسطرتها في مواثيق تشريعية مدنية واجتماعية وثقافية واقتصادية وإنسانية سيدت الإنسان وجعلته فوقكل المصالح، كما دافعت عن كرامته وطبيعته البشرية تشجيع المبادرات الفردية التي فيها مصلحة للجماعة والوطن والأمة، يقول كلاباريد في هذا الصدد:” علينا في المجتمع الديمقراطي السليم أن نفسح أوسع مجال ممكن للمبادرات الفردية، بحيث تبقى وتستمر وحدها، تلك المبادرات التي يثبت بالتجربة أنها نافعة للجماعة. إن أي قيد نقيد به النشاط الفردي الحر يضعف فرص الاكتشاف ,فقد حررت الانسان من أشكال الخضوع للسلطة بمختلف توجهاتها، حيث تحرر من السلطة الاجتماعية التقليدية التي يخضع فيها الفرد لمن هو أعلى منه مكانة اجتماعية، قد تصل في بعض الأحيان إلى العبودية, وتحرر من السلطة السياسية القمعية التي صادرت حقوق الأفراد في التعبير أو المشاركة السياسية في اتخاذ القرار وغيرها، ناهيك عن الممارسات التي تمتهن إنسانية الفرد وكرامته، وكذلك من السلطة الفكرية التي تتدخل حتى في طريقة تفكيره وتحضر على كل فرد تبني افكار تتعارض مع نهجها ، ولا يستطيع الفكاك منها أو توجيه أي نقد لها. ومما يزيد الأمر صعوبة، هو أن الحرية ترتبط بالإنسان ككائن اجتماعي يعيش في مجتمع ويخضع لدولة؛ ومن ثم فلا يمكن الحديث عن حريته بمعزل عن علاقاته مع غيره من أفراد المجتمع الذي يعيش فيه وعن الدولة التي تحكمه ، وعلى هذا الأساس نرى بأن تعدد المفاهيم المرتبطة بفكرة الحرية يختلف باختلاف أنماط السلطة السياسية التي تحكم شتى المجتمعات الإنسانية وتدير شؤونها(1).
إن حالة التشوه الفكري في مجتمعنا تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة. إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية و الديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا و مثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد “المواطن”، فالخطابات السياسية المعاصرة “كمؤشر” لم تعط هذا الفرد أو تؤمّن له ما قالت أنه يستحق من كرامة و رعاية و احترام، الديمقراطية وحقوق الانسان مفهومان مختلفان بكل وضوح” يجب النظر اليهما كمصطلحات سياسيه منفصله ومتميزه”. بينما تهدف الديمقراطيه الى منح القوة الى الشعب بصورة جماعية، تهدف حقوق الانسان الى منح القوة الى الافراد . والمشاركة تدفع في اتجاه تكريس الثقافة والممارسة الديمقراطية التي تبقى بحاجة إلى بناء اجتماعي شامل ومتكامل تمتزج فيه الحركة النقابية والحركات الاجتماعية بالمبادرات الفردية والجماعية المنظمة و الفاعلة، سلوكا وممارسة في الحياة العامة. ونقصد بالمشاركة في الحياة العامة، مساهمة الأفراد في تدبير شؤونهم وإبداء الرأي حولها، والقيام بالمبادرات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة سواءا محليا أووطنيا. وحق المشاركة يندرج ضمن الحريات السياسية الأساسية، غير أن هذا المفهوم، يتجاوز كون أن المشاركة هي مجرد حق، بل هي ممارسة فعلية وثقافة حقيقية في مواجهة ثقافة الإقصاء والتهميش المؤديتين إلى عدم الاهتمام بالامور العامة من قبل الافراد، وهو ما يفرض حاجة تثبيتها بكل المجتمعات من خلال تربية النشء على الديمقراطية على أسس التكوين والتأطير والتعبئة والانخراط، باعتبار أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للمساهمة في تدبير الحياة العامة، والمشاركة مع الاخرين في التدبير العمومي، واختيار ممثليهم، وتقييم أدائهم، بل ومحاسبتهم سواء خلال طول مسار الولاية وعلى الخصوص عند انتهائها، إما بتجديد الثقة فيهم أو اختيار ممثلين آخرين مكانهم. وهذا ما يصطلح عليه لدى بعض منظري الديمقراطية (بالذهنية الديمقراطية) المقترنة بالتكوين والممارسة السليمة. جاءت الدساتير والإعلانات الدستورية التي عرفتها أغلب الدول النامية في عصرنا الحاضر مشوبة بالكثير من أوجه النقص والإختزال والتضييق لمجالات التمتع بالحريات الأساسية والحقوق المدنية ، وقد تجلى ذلك فى إحالة العديد من النصوص المتصلة بها الى المشرّع القانوني بدعوى تحديدها أوتنظيمها ، على الرغم من كونها حقوقا أصلية سامية لا يجوز رهنها بتوجهات السلطتين التشريعية والتنفيذية . كما تجلى ذلك أيضا فى تقييد هذه الحريات والحقوق بإشتراط توافقها مع عبارات من قبيل قيم المجتمع و المصلحة العامة و سلامة البناء الوطنى و الأمن القومي, دون تعريف أو تحديد للمقصود بتلك العبارات المطلقة التى استخدمت فى تبرير الإنتقاص من حرية الإنسان والإفتئات على حقوق المواطنة وفضلا عن ذلك ، فقد تخلّف المشرّع الدستورى عن مواكبة التطور المتلاحق للمبادىء والأحكام والمعايير الدولية المتصلة بحقوق الانسان وحرياته الأساسية ، كما تجاهل الكثير من إلتزامات الدولة بموجب المواثيق والعهود والإتفاقيات الدولية التى صادقت عليها فى هذا الشأن ، وذلك على الرغم من أن هذه الإلتزامات تعلو على ما عداها فى التشريعات الوطنية(2).
وختاماً فأنَّ التاريخ حسب قول الفيلسوف الألماني كارل ماركس يعيد نفسة المرة الاولي يظهر كماساة وفي المرة الثانية يظهر كمهزلة لذلك تجد ثقافة الشعوب في عصور الاستبداد تظهر بشكل بائس والاستبداد يتحول الي بنية ثقافية في عصر الرئيس الملهم الي الأحزاب وقادتها الي الاعلام الديماغوجي التعبوي في الكذب والخداع وفي التطبيل والتزمير للقائد الملهم ، القائد الفذ ، القائد الضرورة حيث يختلقون له صفات وخصال ليس فيه والتغني بانجازاتة الوهمية ، وللأسف الأحزاب والقوى الوطنية المنوط بها ان تكون بديل نوعي للحاكم تتحول الي صورة نمطية من حاكمها وتكون في علاقتها مع أعضائها نسخة من الحاكم المستبد ولاتقبل بالراي والراي الاخر ولاتتحمل مجرد الانتقاد لهذا القائد او ذاك خاصة اذا كان سلوكه منحرف مهما كانت مرتبتة التنظيمية وحتي في داخل الاسرة علاقة الاب بابنائة ، علاقة عبودية وقمع للكلمة الحرة وغياب للحس النقدي في كل مناحي الحياة.
——————————————————–
خضر خضر: مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان المؤسسة الحديثة للكتاب ط 2005 ص9. 1–
2–خضر خضر: مدخل إلى الحريات العامة وحقوق الإنسان المؤسسة الحديثة للكتاب ط 2005 ص84