الرئيسية / مقالات / كلمة (نعمت) في القرآن الكريم (ح 4)

كلمة (نعمت) في القرآن الكريم (ح 4)

فيينا / الأحد 28. 07 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

د. فاضل حسن شريف

وردت كلمة (نعمت) في عدد من الآيات القرآنية “اذكروا نعمت الله عليكم” (البقرة 231) (آل عمران 103) (المائدة 11) (فاطر 3)، و ” ألم تر الى الذين بدلوا نعمت الله كفرا” (إبراهيم 28)، و “وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها” (ابراهيم 34)، و “يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها” (النحل 83)، و “واشكروا نعمت الله” (النحل 114). لم يأتي بعد كلمة “نعمت” إلا لفظ الجلالة “الله”. حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعيم) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومغنية ومكارم الشيرازي.

يقول الدكتور بلال السامرائي: يرى علماء البيان القرآني إن كلمة “نعمة” إذا كُتبت  بالتاء المربوطة “نعمة” فإنها تدل على نعمة عامة، وإذا كتبت بالتاء المبسوطة “نعمت” فإنها تدل على نعمة خاصة محددة  قال تعالى “يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها” (النحل 83).

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن كلمة نعمت: قوله جل جلاله “أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ” ﴿ابراهيم 28﴾ خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلّم فقال:” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا ” يحتمل أن يكون المراد أ لم تر إلى هؤلاء الكفار عرفوا نعمة الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلّم أي: عرفوا محمدا ثم كفروا به فبدلوا مكان الشكر كفرا.  وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال (نحن والله نعمة الله التي أنعمها أنعم بها على عباده وبنا يفوز من فاز). ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره ويحتمل أن يكون المراد جميع نعم الله على العموم بدلوها أقبح التبديل إذا جعلوا مكان شكرها الكفر بها واختلف في المعنى بالآية فروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك ومجاهد أنهم كفار قريش كذبوا نبيهم ونصبوا له الحرب والعداوة وسأل رجل أمير المؤمنين عليا عليه السلام عن هذه الآية فقال هم الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة فأما بنوأمية فمتعوهم إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وقيل إنهم جبلة بن الأيهم ومن اتبعوه من العرب تنصروا ولحقوا بالروم. قوله سبحانه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” ﴿المائدة 11﴾ يكون تخليص النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما هموا به، نعمة على المؤمنين من حيث إن مقامه بينهم نعمة عليهم، فلذلك اعتد به عليهم.

عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن كلمة نعمت: قوله تعالى ” وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” ﴿ابراهيم 34﴾ قال الراغب: الإحصاء: التحصيل بالعدد يقال: أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصى واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع. انتهى. وفي الجملة إشارة إلى خروج النعم عن طوق الإحصاء ولازمه كون حوائج الإنسان التي رفعها الله بنعمه غير مقدور للإنسان إحصاؤها. وكيف يمكن إحصاء نعمه تعالى وعالم الوجود بجميع أجزائه وما يلحق بها من الأوصاف والأحوال مرتبطة منتظمة نافع بعضها في بعض متوقف بعضها على بعض، فالجميع نعمه بالنسبة إلى الجميع وهذا أمر لا يحيط به إحصاء. ولعل ذلك هو السر في إفراد النعمة في قوله: “نعمة الله” فإن الحق أن ليس هناك إلا النعمة فلا حاجة إلى تفخيمها بالجمع ليدل على الكثرة، والمراد بالنعمة جنس المنعم فيفيد ما يفيده الجمع. وقوله:” إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” أي كثير الكفران يظلم نفسه فلا يشكر نعمة الله ويكفر بها فيؤديه ذلك إلى البوار والخسران، أوكثير الظلم لنعم الله لا يشكرها ويكفر بها، والجملة استئناف بياني يؤكد بها ما يستفاد من البيان السابق، فإن الواقف على ما مر بيانه من حال نعمه تعالى وما آتى الإنسان من كل ما سأله منها لا يرتاب في أن الإنسان وهو غافل عنها طبعا ظالم لنفسه كافر بنعمة ربه. 

جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: عن كلمة نعمت: قوله عز شأنه “يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ” ﴿النحل 83﴾ استئاف مسوق لبيان الموقف الجحودى الذي وقفه المشركون من نعم الله تعالى. والمراد بالكفر في قوله تعالى: “وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ” الستر لنعم الله عن معرفة لها، وغمطها عن تعمد وإصرار. أى: إن هؤلاء المشركين، يعرفون نعم الله التي عددها في هذه السورة، كما أنهم يعترفون بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله، ولكنهم ينكرون هذه النعم بأفعالهم القبيحة، وأقوالهم الباطلة، كقولهم هذه النعم من الله ولكنها بشفاعة آلهتنا الأصنام، أو كقولهم: هذه النعم ورثناها عن آبائنا. وجاء التعبير بثم لاستبعاد الإنكار بعد المعرفة بالنعم، فإن من شأن العالم بالنعمة أن يؤدى الشكر لمسديها، وأن يستعملها فيما خلقت له. وقوله “وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ” أى: وأكثر هؤلاء الضالين. جاحدون لنعم الله عن علم بها لا عن جهل، وعن تذكر لا عن نسيان. وشبيه بهذه الآية قوله تعالى: “وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا” (النمل 14). وبذلك ترى الآيات الكريمة قد ساقت لنا ألوانا من نعم الله تعالى على عباده، وأدلة متعددة على وحدانيته وقدرته، وجانبا من موقف الكافرين من هذه النعم. 

اترك تعليقاً