فيينا / الجمعة 01 . 11 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن عرشها وعرشك: “قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” ﴿النمل 38﴾ بِعَرْشِهَا: بِ حرف جر، عَرْشِ اسم، هَا ضمير. قال سليمان مخاطبًا من سَخَّرهم الله له من الجن والإنس: أيُّكم يأتيني بسرير ملكها العظيم قبل أن يأتوني منقادين طائعين؟ قوله سبحانه “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ” ﴿النمل 41﴾ عَرْشِهَا: عَرْشِ اسم، هَا ضمير. قال سليمان لمن عنده: غيِّروا سرير ملكها الذي تجلس عليه إلى حال تنكره إذا رأته؛ لنرى أتهتدي إلى معرفته أم تكون من الذين لا يهتدون؟ قوله جل جلاله “فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَـٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ” ﴿النمل 42﴾ عَرْشُكِ: عَرْشُ اسم، كِ ضمير. فلما جاءت ملكة “سبأ” إلى سليمان في مجلسه قيل لها: أهكذا عرشك؟ قالت: إنه يشبهه. فظهر لسليمان أنها أصابت في جوابها، وقد علمت قدرة الله وصحة نبوة سليمان عليه السلام، فقال: وأوتينا العلم بالله وبقدرته مِن قبلها، وكنا منقادين لأمر الله متبعين لدين الإسلام.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” ﴿النمل 38﴾ واختلف في السبب الذي خص به العرش بالطلب على أقوال (أحدها) أنه أعجبته صفته فأراد أن يراه وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها عن قتادة (وثانيها) أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها ويختبر هل تعرفه أوتنكره عن ابن زيد وقيل أراد أن يجعل ذلك دليلا ومعجزة على صدقه ونبوته لأنها خلفته في دارها وأوثقته ووكلت به ثقات قومها يحرسونه ويحفظونه عن وهب وقال ابن عباس كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدىء بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه فقال ما هذا فقالوا بلقيس يا رسول الله وقد نزلت منا بهذا المكان وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ فقال “أيكم يأتيني بعرشها” (النمل 38). وقوله “مسلمين” فيه وجهان (أحدهما) أنه أراد مؤمنين موحدين (والآخر) مستسلمين منقادين على ما مر بيانه. قوله تعالى “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)” (النمل 41-42) “قال” سليمان “نكروا لها عرشها” (النمل 41) أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته وأراد بذلك اعتبار عقلها على ما قيل “ننظر أ تهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون” أي أ تهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لا تهتدي إلى ذلك عن سعيد بن جبير وقتادة وقيل أ تهتدي أي أ تستدل بعرشها على قدرة الله وصحة نبوتي وتهتدي بذلك إلى طريق الإيمان والتوحيد أم لا عن الجبائي قال ابن عباس فنزع ما كان على العرش من الفصوص والجواهر وقال مجاهد غير ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر فجعله أحمر وقال عكرمة زيد فيه شيء ونقص منه شيء. “فلما جاءت قيل أ هكذا عرشك قالت كأنه هو” (النمل 42) فلم تثبته ولم تنكره ودل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل لا إذ كان يشبه سريرها لأنها وجدت فيه ما تعرفه ولم تقل نعم إذ وجدت فيه ما غير وبدل ولأنها خلفته في بيتها وحمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في قدرة البشر قال مقاتل عرفته ولكن شبهوا عليها حين قالوا لها أ هكذا عرشك فشبهت حين قالت كأنه هو ولو قيل لها هذا عرشك لقالت نعم قال عكرمة كانت حكيمة قالت إن قلت هو، خشيت أن أكذب وإن قلت لا خشيت أن أكذب فقالت كأنه هو شبهته به فقيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت فقالت. “وأوتينا العلم” بصحة نبوة سليمان “من قبلها” أي من قبل الآية في العرش “وكنا مسلمين” طائعين لأمر سليمان وقيل إنه من كلام سليمان عن مجاهد ومعناه وأوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرة وكنا مخلصين لله بالتوحيد وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة قبل مجيئها وقيل إنه من كلام قوم سليمان عن الجبائي.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)” (النمل 41-42) قال في المفردات: تنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف، قال تعالى: “قال نكروا لها عرشها” (النمل 41) وتعريفه جعله بحيث يعرف. والسياق يدل على أن سليمان عليه السلام إنما قاله حينما قصدته ملكة سبإ وملؤها لما دخلوا عليه، وإنما أراد بذلك اختبار عقلها كما أنه أراد بأصل الإتيان به إظهار آية باهرة من آيات نبوته لها، ولذا أمر بتنكير العرش ثم رتب عليه قوله: “ننظر أ تهتدي” إلخ، والمعنى ظاهر. قوله تعالى: “فلما جاءت قيل أ هكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين” (النمل 42) أي فلما جاءت الملكة سليمان عليه السلام قيل له من جانب سليمان: “أ هكذا عرشك” (النمل 42) وهو كلمة اختبار. ولم يقل: أ هذا عرشك بل زيد في التنكير فقيل: أهكذا عرشك ؟ فاستفهم عن مشابهة عرشها لهذا العرش المشار إليه في هيئته وصفاته، وفي نفس هذه الجملة نوع من التنكير. وقوله: “قالت كأنه هو” المراد به أنه هو وإنما عبرت بلفظ التشبيه تحرزا من الطيش والمبادرة إلى التصديق من غير تثبت، ويكنى عن الاعتقادات الابتدائية التي لم يتثبت عليها غالبا بالتشبيه. وقوله: “وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين” ضمير “قبلها” لهذه الآية أي الإتيان بالعرش أو لهذه الحالة أي رؤيتها له بعد ما جاءت، وظاهر السياق أنها تتمة كلام الملكة فهي لما رأت العرش وسألت عن أمره أحست أن ذلك منهم تلويح إلى ما آتى الله سليمان من القدرة الخارقة للعادة فأجابت بقولها: “وأوتينا العلم من قبلها” إلخ، أي لا حاجة إلى هذا التلويح والتذكير فقد علمنا بقدرته قبل هذه الآية أو هذه الحالة وكنا مسلمين لسليمان طائعين له. وقيل: قوله: “وأوتينا العلم” إلخ، من كلام سليمان، وقيل: من كلام قوم سليمان، وقيل من كلام الملكة، لكن المعنى وأوتينا العلم بإتيان العرش قبل هذه الحال وهي جميعا وجوه رديئة.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل “قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” ﴿النمل 38﴾ لما رجع الوفد من عند سليمان إلى الملكة، وأخبرها بما سمع ورأى لم تر بدا من السمع والطاعة، فتوجهت إليه مع حاشيتها، وتركت عرشها العظيم يحفظه الجنود والحراس، وحين علم سليمان بقدوم بلقيس أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته، وأن تكون هذه الآية والمعجزة أخذ عرشها الذي هو مظهر عزها وملكها، فسأل من كان بين يديه: أيكم يأتيني به؟ قوله تعالى “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)” (النمل 41-42) قال سليمان لبعض رجاله: غيروا شيئا من عرش بلقيس لنرى هل تدرك انه هو أويخفى عليها ؟. “فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ” (النمل 42) نكروا لها عرشها وسألوها عنه “قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ” لم تنف ولم تثبت. لم تنف لأن وجه الشبه قوي، ولم تثبت لأنها تركت عرشها في القصر، ودونه الجنود والحراس. هذا، إلى أن الساسة والحكام يحتفظون بخط الرجعة في أكثر كلامهم وأجوبتهم. “وأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وكُنَّا مُسْلِمِينَ”. هذا من كلام سليمان وقومه، ومعناه انهم عرفوا الحق، وآمنوا به قبل بلقيس.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله عز وجل “قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ” ﴿النمل 38﴾ وبالرغم من أن المفسّرين أتعبوا أنفسهم للوقوف على علّة إحضار عرش الملكة، وربّما ذكروا وجوهاً لا تنسجم مع مفاد الآيات ولا تتناسب وإيّاها. إلاّ أن من الواضح أنّ هدف سليمان عليه السلام من هذه الخطة إنّه كان يريد أن يظهر أمراً مهماً للغاية خارقاً للعادة ليذعنوا له دون قيد، ويؤمنوا بقُدرة الله من دون حاجة إلى سفك الدماء والمواجهة في ساحات القتال. كان يريد أن ينفذ الإيمان إلى أعماق قلب ملكة سبأ وأشراف قومها، ليستجيب الباقون لدعوته والتسليم لأمره. وهنا أظهر شخصان استعدادهما لإمتثال طلب سليمان عليه السلام، وكان أمر أحدهما عجيباً والآخر أعجب. قوله تعالى “قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُو وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)” (النمل 41-42) نواجه في هذه الآيات مشهداً آخر، ممّا جرى بين سلمان وملكة سبأ فسليمان من أجل أن يختبر عقل ملكة سبأ ودرايتها، ويهىء الجو لإيمانها بالله، أمر أن يغيروا عرشها وينكّروه فـ “قال نكّروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون” (النمل 41). وبالرغم من أن المجيء بعرشها من سبأ الى الشام كان كافياً لان لا تعرفه ببساطة. ولكن مع ذلك فإنّ سليمان أمر أن يوجدوا تغييرات فيه، من قبيل تبديل بعض علاماته، أو تغيير ألوانه ومواضع مجوهراته، ولكن هذا السؤال: ما الهدف الذي كان سليمان عليه السلام يتوخّاه من اختبار عقل (ودراية) ملكة سبأ وذكائها؟ لعل هذا الاختبار كان لمعرفة أي منطق يواجهها به؟ وكيف يأتي لها بدليل لإثبات المباني العقائدية؟ أو كان يفكر أن يتزوجها، وكان يريد أن يعرف هل هي جديرة بأن تكون زوجة له، أم لا؟ أو أراد واقعاًـ أن يعهد لها بمسؤولية بعد إيمانها فلابدّ من معرفة مقدار استعدادها لقبول المسؤولية. وهناك تفسيران لجملة “أتهتدي” فقال بعضهم: المراد منها معرفة عرشها. وقال بعضهم: المراد من هذه الجملة أنّها هل تهتدي إلى الله برؤية المعجزة، أولا ؟ إلاّ أنّ الظاهر هو المعنى الأوّل، وإن كان المعنى الأوّل بنفسه مقدمة للمعنى الثّاني. وعلى كل حال فلمّا جاءت “قيل أهكذا عرشك” والظاهر أن القائل لها لم يكن سليمان نفسه، والاّ فلا يناسب التعبير بـ “قيل”، لأنّ اسم سليمان ورد قبل هذه الجملة وبعدها، وعُبّر عن كلامه بـ (قال). أضف إلى ذلك أنّه لا يناسب مقام سليمان عليه السلام أن يبادرها بمثل هذا الكلام. وعلى أي حال. فإنّ ملكة سبأ أجابت جواباً دقيقاً و “قالت كأنّه هو”. فلو قالت: يشبه، لأخطأت ولو قالت: هونفسه، لخالفت الإحتياط، لأنّ مجيء عرشها إلى أرض سليمان لم يكن مسألة ممكنة بالطرق الإعتيادية، إلاّ أن تكون معجزةً. وقد جاء في التواريخ أن ملكة سبأ كانت قد أودعت عرشها الثمين في مكان محفوظ، وفي قصر مخصوص فيه غرفة عليها حرس كثير. ومع كل ذلك فإنّ ملكة سبأ استطاعت أن تعرف عرشها رغم كل ما حصل له من تغييرات.. فقالت مباشرة: “وأوتينا العلم من قبلها وكنّا مسلمين” (النمل 42). أي، إذا كان مراد سليمان عليه السلام من هذه المقدمات هو اطلاعنا على معجزته لكي نؤمن به، فإنّنا كنّا نعرف حقانيته بعلائم أخر. كنّا مؤمنين به حتى قبل رؤية هذا الأمر الخارق للعادة فلم تكن حاجة إلى هذا الأمر.
*****
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك