فيينا / الأحد 17 . 11 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
قال الله تعالى “ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ” (المؤمنون 44)، إلى آخر الآية يقال: جاءوا تترى أي فرادى يتبع بعضهم بعضا، ومنه التواتر وهو تتابع الشيء وترا وفرادى، وعن الأصمعي: واترت الخبر أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة. والكلام من تتمة قوله “ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً” (المؤمنون 42) و”ثُمَ ” للتراخي بحسب الذكر دون الزمان، والقصة إجمال منتزع من قصص الرسل وأممهم بين أمة نوح والأمة الناشئة بعدها وبين أمة موسى. يقول تعالى: ثم أنشأنا بعد تلك الأمة الهالكة بالصيحة بعد أمة نوح قرونا و أمما آخرين وأرسلنا إليهم رسلنا متتابعين يتبع بعضهم بعضا كلما جاء أمة رسولها المبعوث منها إليها كذبوه فأتبعنا بعضهم أي بعض هذه الأمم بعضا أي بالعذاب وجعلناهم أحاديث أي صيرناهم قصصا وأخبارا بعد ما كانوا أعيانا ذوات آثار فليبعد قوم لا يؤمنون. اعتبر القرآن للأمة وجودا وأجلا وكتابا وشعورا وفهما وعملا وطاعة ومعصية فقال”وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ” (الاعراف 34)، وقال “كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا” (الجاثية 28) وقال”زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ” (الانعام 108)، وقال”مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَة ” (المائدة 66)، وقال”أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ” (ال عمران 113)، وقال”وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ” (غافر 5)، وقال”وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ” (يونس 47).
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل “لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ” ﴿آل عمران 113﴾ “لَيْسُوا سَوَاءً” اختلفوا في تقديره، والقول الصحيح أن هذا وقف تام. وقوله: “مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ” ابتداء كلام، ومعناه: ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء أي: ليس الذين آمنوا من أهل الكتاب “أُمَّةٌ قَائِمَةٌ” كعبد الله بن سلام وأصحابه، والذين لم يؤمنوا، سواء في الدرجة والمنزلة، ثم استأنف، وبين افتراقهم فقال: “مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ” فحصل بهذا بيان الافتراق. وهذا كما لو أخبر القائل عن قوم بخبر فقال: بنو فلان يعملون كذا وكذا، ثم قال: ليسوا سواء، فإن منهم من يفعل كذا وكذا، وكذلك لو ذم قبيلة بالبخل والجبن، فقال غيره: ليسوا سواء، منهم الجواد، ومنهم الشجاع. فيكون منهم الجواد، ومنهم الشجاع، ابتداء كلام. وقال أبو عبيدة: هو على لغة أكلوني البراغيث. ومثله قوله تعالى: “ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ” وقال الشاعر: رأين الغواني الشيب لاح بعارضي، فأعرضن عني بالخدود النواضر. قال الزجاج والرماني: وليس الامر كما قال، لان ذكر أهل الكتاب قد جرى، فأخبر الله أنهم غير متساويين، ولأن هذه اللغة رديئة في القيام والاستعمال. وقال الفراء: المعنى منهم أمة قائمة، وأمة غير قائمة، اكتفاء بذكر أحد الفريقين، كما قال أبو ذويب: عصيت إليها القلب، إني لأمرها مطيع، فما أدري أرشد طلابها ولم يقل أم غي. وقال آخر: أواك فلا أدري أهم هممته * وذو الهم قدما خاشع متضائل. ولم يقل: أم غيره، لان حاله في التغير ينبئ أن الهم غيره أم غيره، فعلى هذا يكون رفع أمة على معنى الفعل، وتقديره: لا يستوي أمة هادية، وأمة ضالة. وعلى القول الأول رفع بالابتداء. وأنكر الزجاج هذا القول، وقال: ما بنا حاجة هنا إلى محذوف، لان ذكر الفريقين قد جرى في قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون. ثم قال: “لَيْسُوا سَوَاءً”. ولا يحتاج إلى أن يقدروا أمة غير قائمة، وقد تقدم صفتهم في قوله: “يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ”. وقوله: أمة قائمة فيه وجوه أحدها: إن معناها جماعة ثابتة على أمر الله، عن ابن عباس وقتادة والربيع. وثانيها: عادلة، عن الحسن ومجاهد وابن جريج وثالثها: قائمة بطاعة الله، عن السدي. ورابعها: إن التقدير: ذو أمة قائمة أي: ذو طريقة مستقيمة، عن الزجاج. وأنشد للنابغة: “وهل يأتمر ذو أمة وهو طائع” أي: ذو طريقة من طرائق الدين. قال علي بن عيسى: وهذا القول ضعيف لأنه عدول عن الظاهر. وحكم بالحذف من غير دلالة. “يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ”: يقرأون كتاب الله وهو القرآن “آنَاءَ اللَّيْلِ” ساعاته وأوقاته، عن الحسن والربيع. وقيل: يعني جوف الليل، عن السدي. وقيل: أراد به وقت صلاة العتمة، لان أهل الكتاب لا يصلونها، يعني أنهم يصلون صلاة العتمة، عن ابن مسعود. وقيل: إنه الصلاة ما بين المغرب والعشاء الآخرة، عن الثوري، وهي الساعة التي تسمى ساعة الغفلة. “وَهُمْ يَسْجُدُونَ” قيل: أراد السجود المعروف في الصلاة. فعلى هذا يكون معناه: وهم مع ذلك يسجدون، ويكون الواو لعطف جملة على جملة. وقيل: معناه يصلون بغير السجود، فعبر بالسجود عن الصلاة، لان السجود أبلغ الأركان في التواضع، عن الزجاج والفراء والبلخي، قالوا: لان القراءة لا تكون في السجود، ولا في الركوع. وعلى هذا يكون الواو للحال أي: يتلون آيات الله بالليل في صلاتهم، هو قول الجبائي أيضا.
قال الله تعالى “لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ” (آل عمران 113) جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد محمد بافر الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: ومما تقدم نصير مع السيد محمد باقر الحكيم قدس سره الى أنَّ القرآن الكريم (حينما يؤكد هنا على مفهوم (الأُمَّة) يعبر بها عن الجماعة التي يشترك افرادها في التأريخ المعنوي (العقائدي و السلوكي) وكذلك يشترك ابناؤها في العقيدة و السلوك الاجتماعي القائم على هذه العقيدة)، فتظهر رابطة السلوك الاجتماعي العام متمثلا بالدعوة الى الخير و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” (آل عمران 104). وقوله تعالى: “وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ” (الاعراف 181) وورد لفظ الامة في: آل عمران: 110، 113، الاعراف: 159.. و تظل للفظة (الأُمَّة) دلالتها على (جماعة العلماء) في هذا السياق، فيكون العلم من مظاهر السلوك العام الذي تتبناه هذه الامَّة. ويظهر ايضا الأجل المعنوي، و (هو الاجل للعلاقات التي تربط بين هؤلاء الاشخاص عقائديا وسلوكيا، والتغييرات الرئيسة التي تحصل في الجوانب المعنوية للروابط والعلاقات السائدة في تلك الامم، حيث يترتب على هذه التغييرات العقائدية والسلوكية التغييرات الاجتماعية).
عن المركز الاسترتيجي للدراسات الاسلامية التحديد المفاهيمي لمصطلحيّ الأمّة والمُواطَنة للسيد صادق عباس الموسوي: إنَّ تجزئة الوطن العربيّ واستعماره، ثمَّ نشوء الدولة الوطَنِّية المستقلِّة أدّى إلى اعتبار أفراد كلِّ دولة (شعباً) واعتبار أرضه (وطناً). كما أنَّ الضبابيّة التي اكتنفت مفهوم العرب، مكّنت الأمر الواقع الذي فرضه الإستعمار من إيجاد تعبيرات واقعيّة، وأدّت أيضاً إلى تبلور اتّجاهين، لكلِّ منهما موقف محدّد إنطلاقاً من هذا الأساس (الأمر الواقع).الأوّل اعتبر الشعوب والأوطان العربيّة أمّة، والثاني اعتبر الشعب المعيّن والوطن المعيَّن أمّة. في هذا المعنى تتحّدُ السلطة السياسيّة بمفهوم الوطن، وتندمجُ مُفردات الوطن والأُمَّـة والدولة في حدود جغرافيَّة محدَّدة، وإذا ما كان هذا الإتحادُ سهلاً حين تكون الأُمَّـة مصطلحاً غيرَ ملتبسِ المدلول تنشط على كافّة أجزاءه وحدة سياسيّة جامعة، فإنَّ جمعَ هذه الدوال شاقٌ حين يكتنفَه غموضٌ وإبهام. فيسهلُ على الفرنسيِّ مثلاً قِرانُ هذه المفاهيم الثلاثة لكن يصعُبُ على المُسلِم ذلك، وإن كان مصطلح الأُمَّـة يدلُ بأحد معانيه على هذا المعنى الضِّيق. يشيرُ (فريد هاليداي) إلى هذه التحدِّيات لمفهوم الأُمَّـة التي تختصُّ بالشرق الأوسط، حيثُ يذكرُ أنّ هناك دوائراً عند العرب منها القوميِّة والقطريِّة والوطَنِّية والإسلام، هذه التحدِّيات لا تقتصرُ على العرب بل تشملُ المُسلِمين، حيث يُعطي مثلاً على ذلك في كتابه (الأُمَّـة الدّين في الشرق الأوسط)، فالتركي (له أربعُ هويَّات: عثماني وتركي بالمعنى الذي حدَّدهُ غوكالب ثمَّ أتاتورك من بعدِه، وتركي بالمعنى الذي يجمعُ أتراك الدنيا من الأدرياتيك إلى البامير، وطوراني بالمعنى القائم على الأرض الأسطورية القديمة الممَّتدة إلى أفغانستان، وأخيراً الإسلام أكان إسلام جمال الدّين أو حزب الرفاه).
*****
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك
فالجريدة تعتبر حذف اي مادة هو قمع واعتداء على حرية الرأي من الفيسبوك