الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / العراق بدائل وفرص.. العراق بين تبعات العقوبات وأزمة الطاقة

العراق بدائل وفرص.. العراق بين تبعات العقوبات وأزمة الطاقة

 فيينا / الأثنين 31 . 03 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

العقوبات الأميركية المفروضة على إيران تزداد قوة، إذ تواصل واشنطن منع العراق من الحصول على إعفاءات جديدة لاستيراد الغاز الإيراني، في وقت يعتمد العراق بشكل أساسي على هذا الغاز لتشغيل المحطات التي تمثل المصدر الرئيس للطاقة الكهربائية في البلاد.

يعني نقص الغاز أن العراق سيواجه أزمة حادة في توفير الكهرباء لمواطنيه، ما يزيد من انقطاع التيار الكهربائي المستمر، ومع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تزداد الحاجة لتوفير ساعات كهرباء أطول، مما يعمق من حجم التحديات.

الخبير النفطي، فرات الموسوي، أوضح في حديث لموقع “الحرة”، أن الإعفاءات الأميركية التي سمحت للعراق بمواصلة عمليات استيراد الغاز والكهرباء من إيران رغم العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، التي بدأت عام 2018، ورغم أن العقد الموقّع بين بغداد وطهران كان يتضمن بنوداً تقضي باستيراد 50 مليون متر مكعب قياسي من الغاز يومياً، إلى جانب قرابة 3 آلاف ميغاوات من الكهرباء.

وأشار الموسوي إلى أنه، وبرغم وجود عقد مبرم بين العراق وإيران، فإن إيران لم تلتزم ببنود العقد أو بالكميات المحددة لتصدير الغاز والكهرباء للعراق، بل كانت هناك أزمات مستمرة خلال فصلي الصيف والشتاء، ما أدى إلى معاناة كبيرة للشعب العراقي فيما يتعلق بتجهيز الطاقة الكهربائية.

وأكد أن وجود هذه الأزمات واستمرارها سابقاً كانت تعكس غياب الإدارة الحكومية والإرادة الوطنية لتغيير هذا الواقع، والعمل على استثمار الغاز الوطني بالشكل الذي يحقق استقلالية وأمن الطاقة في البلاد، ويرى أن إمدادات الغاز والكهرباء من إيران تُعتبر فنياً موارد طاقة غير موثوقة، بسبب تذبذبها وانقطاعها المستمر، حسب قوله.

وأشار الموسوي إلى أنه مع مجيء دونالد ترامب إلى السلطة، تم إطلاق حزمة كبيرة من الضغوط القصوى على الاقتصاد الإيراني، بما في ذلك إيقاف الإعفاءات الممنوحة للعراق لاستيراد الطاقة من إيران، إذ أن هذا الإجراء كان يكلف بغداد نحو 4 مليارات دولار سنوياً، مما شكل عبئاً كبيراً على الموازنة العراقية، وفقاً لوصفه.

ولفت إلى أن واشنطن أوقفت إعفاءات بغداد من استيراد الطاقة من إيران، معتبرة أن هذه المليارات تمثل دعماً لطهران في تعزيز قدراتها على مواصلة تنفيذ مشروعها النووي، وبناءً على ذلك، يرى الموسوي أن قرار واشنطن في هذا الاتجاه هو قرار نهائي ولا رجعة فيه أبداً، على حد تعبيره.

وأكد أن هذه المتغيرات فتحت المجال أمام دخول شركات غير إيرانية في قطاع استثمار الطاقة وتوفير الغاز للعراق، فقد بدأ العمل في إقامة منصات بحرية عائمة في خور الزبير بمحافظة البصرة، جنوبي العراق، بهدف استيراد الغاز المسال، وتقدمت إحدى الشركات القطرية بهذا المشروع، الذي لا يزال في مرحلته الأولية، إذ يحتاج المشروع نحو أربعة أشهر لإكمال مد أنابيب الغاز عبر البحر والبدء في تصديره إلى العراق.

وفي هذا السياق، أضاف الموسوي، أن العراق تعاقد مع كل من الجزائر وعُمان وقطر لتوريد كميات من الغاز تتراوح بين 400 إلى 600 مليون قدم مكعب قياسي يومياً، كما اعتبر أن هذا التوجه كان ينبغي أن يتم منذ وقت طويل، إلا أن الضغوط الإقليمية كانت حالت دون تنويع مصادر الطاقة في العراق، ومع تشديد العقوبات الأميركية على إيران وإلغاء إعفاءات بغداد، توجهت الحكومة العراقية نحو تنويع مصادر الغاز، وفقاً لقوله.

وفيما يتعلق بالاستثمارات الجديدة، يقول الموسوي أن العراق دخل في شراكات مع شركات خليجية، ومن أبرزها شركة “مصدر” الإماراتية، لبناء منظومة طاقة شمسية لإنتاج حوالي 1000 ميغاواط، ومن المتوقع أن يتم توقيع العقد بين العراق والإمارات في الأيام القادمة، كما كشف عن أن إنتاج 2000 ميغاواط، يتطلب ذلك العمل على المشروع لمدة عامين.

وفيما يخص إمدادات الغاز، أوضح الخبير في الشؤون النفطية، أن الكميات التي ستصل إلى العراق عبر المنصات العائمة ستكون بمقدار ثلث كمية الغاز الإيراني، الذي كان يصل إلى العراق سابقاً، بحسب الخبير النفطي.

وأكد أن هذا الوضع سيؤدي إلى استمرار نقص ساعات تجهيز الكهرباء للمواطنين، خلال هذا العام أيضاً لاسيما فصل الصيف القادم، الذي يشهد عادة ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة في العراق الذي يعاني بالفعل من مشكلة كبيرة في هذا الإطار، حتى مع وجود الغاز الإيراني، هذه المشكلة تتمثل في العجز المستمر في إنتاج الطاقة الكهربائية الكافية لتلبية الاحتياجات الفعلية للبلاد.

وأكد الموسوي أن تنويع مصادر الطاقة يعد خطوة ذات أهمية كبيرة، إذ سيسهم في تحرير العراق من القيود الأحادية، ويعتبر هذا التوجه خطوة استراتيجية لتحسين استقلالية العراق في قطاع الطاقة، ورغم أن تنفيذ هذه الخطوات قد يستغرق وقتًا طويلاً من الناحية الفنية، إلا أنه سيسهم في تقليص النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما تراه واشنطن أمراً مرغوباً، على الأقل في قطاع الطاقة الذي كانت طهران تهيمن عليه بشكل شبه كامل، وفقًا لرؤيته.

يرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أن مسألة العقوبات الأميركية لا علاقة لها بدخول شركات خليجية وعربية للاستثمار في قطاع الطاقة في العراق، وأن الأمر يتعلق بطبيعة البيئة الاستثمارية العراقية غير الجاذبة، كما وصفها.

وأضاف أن هناك مجموعة من الشركات العالمية والآسيوية تستثمر بالفعل في قطاع الطاقة بالعراق لكن العقوبات الأميركية قد تفتح المجال أمام المزيد من الاستثمارات، مثل استثمارات الجزائر وقطر في استيراد الغاز المسال، الذي يعتبر الأكثر جدوى وفقاً لتصوره، لا سيما أن المسافة بين ميناء حمد القطري وميناء أم قصر العراقي لا تتجاوز 650 كيلومترًا، وهي مسافة بحرية يمكن قطعها في يومين فقط.

كما أشار إلى أن العراق استأجر منصة بحرية عائمة لاستلام الغاز المسال وتوفير الخدمات اللوجستية لها، بالإضافة إلى ربط الأنابيب من المنصة بالمحطات الكهربائية على شط البصرة، هذه العملية قد تستغرق أشهراً وربما تمتد إلى نهاية العام الحالي، ولن توفر أكثر من 400 مليون قدم مكعب قياسي من الغاز.

وأضاف المرسومي أن هناك محاولات لتوسيع استيراد الكهرباء من تركيا، من 300 ميغاوات إلى 600 ميغاوات، وهذا يتطلب موافقة الاتحاد الأوروبي وقد يستغرق عدة أشهر، فيما يتعلق بالربط الكهربائي مع الأردن، فهو مقرر أن يبدأ في نهاية شهر يوليو المقبل بقدرة 150 ميغاوات في مرحلته الثانية.

أما الربط مع السعودية فلم يبدأ حتى الآن، ومن المتوقع أن يستغرق قرابة ثلاث سنوات، فضلاً عن مشاريع تحويل الغاز المصاحب إلى غاز جاف لتغذية المحطات الكهربائية التي تحتاج إلى أكثر من سنتين، وبالتالي، فإن العراق يواجه تحديات حقيقية، خاصة خلال فصل الصيف المقبل، بسبب عدم وصول الغاز الإيراني الذي يشغل حوالي 40% من منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد.

ولفت المرسومي إلى أن العراق، وفقاً لبيانات وزارة النفط، وليس بيانات المسؤولين الحكوميين، ينتج من الغاز المصاحب حوالي 3 مليارات و100 مليون قدم مكعب قياسي. من هذه الكمية، يتم استثمار مليار و700 مليون قدم مكعب قياسي، بينما يتم حرق مليار و400 مليون قدم مكعب قياسي، وهذا يعني أن نسبة الاستثمار لا تتجاوز 55 بالمئة خلافًا لما يعلنه المسؤولون الحكوميون العراقيون من أن نسبة استثمار الغاز الطبيعي تصل إلى 70 بالمئة.

وأشار إلى أن العراق يحقق تقدماً في هذا المجال، لكن بشكل بطيء، إذ لم يزد حجم الغاز المستثمر خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 200 مليون قدم مكعب قياسي يومياً، بينما يُحرق الباقي، وبذلك، يعد العراق ثالث أكبر دولة في العالم في حرق الغاز وإهداره بعد روسيا وإيران، إذ يُحرق حوالي 17 مليار متر مكعب سنوياً، حسب قوله.

ويقول الخبير الاقتصادي إن النفوذ الإيراني في العراق كبير، والعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين واسعة جداً، إذ يصدر القطاع الإيراني سلعاً بقيمة 12 مليار دولار إلى العراق سنوياً، ويشغل هذا القطاع حوالي مليون عامل إيراني في العراق، وبالتالي، يرى المرسومي أن إيران لن تغادر بنفوذها العراق، خاصة أنها تعتبره من الضرورات الاستراتيجية لاقتصادها، وأن هناك العشرات من الشركات الإيرانية تعمل في العراق في قطاعات مختلفة، وهذه الشركات تحول أموالها بالدولار إلى إيران، وفقاً لحديثه.

لكن من جهة أخرى، يعتقد المرسومي أنه كلما اتسعت المشاركة العربية في العراق، وكلما تم بناء علاقات اقتصادية وثيقة بين العراق ومحيطه العربي، فإن ذلك سيكون بالتأكيد على حساب النفوذ الإيراني بشكل عام، وخاصة نفوذها الاقتصادي.

وبشأن الحلول السريعة لمعالجة أزمة الطاقة في العراق، رأى المرسومي أهمية تحويل المحطات الكهربائية التي تعمل على الغاز إلى نظام آخر يستخدم النفط الأسود، زيت الوقود الثقيل أو الكاز الأحمر، وباستثناء ذلك، لا توجد بدائل أخرى، لأن الخلل الهيكلي في قطاع الطاقة ليس فقط في الإنتاج والنقل والتوزيع، بل هناك مشكلات في الطلب، أي أن هناك عدم ترشيد في استهلاك الطاقة، وعدم فرض نظام جباية متطور، ويؤكد أن جميع الإجراءات السريعة قد تخفف من وطأة الأزمة، لكنها لن تلغيها تماماً، على حد وصفه.

العلاقات العراقية الإيرانية في الميزان

أوضح المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، في تصريح خاص لموقع الحرة، إن ما يُشاع في عالم الاقتصاد عن اصطلاح “سياسات إفقار الجار” يشير إلى السياسات الاقتصادية التي تتبعها دولة معينة لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الدول الأخرى.

ومن أبرز هذه السياسات خفض التعريفات الجمركية أو تخفيض قيمة العملة بهدف جعل الصادرات أكثر تنافسية، لكن ذلك يكون على حساب الدول الأخرى.

وبالحديث عن إيران، أضاف صالح أن تشديد الحصار الأميركي والغربي عليها أدى إلى انخفاض قيمة عملتها بشكل قسري، مما زاد من صعوبة مواجهة آليات أنظمة السوق بين العراق وإيران. وقد تأثرت السلع المتبادلة بين البلدين، التي غالباً ما تكون سلعاً مدنية مثل السجاد والمنتجات البسيطة الأخرى، نتيجة لهذا الوضع.

كما أن انخفاض تكلفة النقل وانخفاض الأسعار بسبب تدهور سعر صرف الريال الإيراني بحسب صالح، كان له تأثير ضاغط على التجارة بين البلدين، ويرى أن هذه الظروف تسببت في توقف حرية التجارة واقتصاد السوق الحر بين العراق وإيران، وهو ما توقف رسمياً بسبب الحصار المفروض على إيران منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن، على حد قوله.

وفيما يتعلق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران، قال صالح إن هذا الأمر كان يحظى باستثناءات من الحكومة الأميركية، نظراً لأن معدات التوليد الكهربائية التي يتم توريدها من الشركات الأميركية تعتمد على الغاز الإيراني.

وأضاف أن الغاز الإيراني يُستخدم لتغذية محطات الطاقة العراقية، مما يساهم في توليد أكثر من 10 آلاف ميغاوات من الكهرباء. وأن استمرار توفير الغاز الإيراني يعد ضرورياً لاستدامة توليد الكهرباء في العراق، خاصة في ظل الحاجة إلى تصفير حرق الغاز المصاحب للنفط الخام وتوفير البنية التحتية لمعالجة الغاز وربطه بمحطات التوليد خلال العامين المقبلين.

وأشار صالح، في معرض حديثه إلى أنه يوجد حالياً حراك لتوفير الغاز المسال من دول أخرى عبر إنشاء منصة غاز بحرية عائمة، والعمل جارٍ بكل همة وكفاءة عالية لمواجهة تحديات الصيف المقبل، إذ يتطلب الأمر ضمان توفير 27 ألف ميغاوات من الكهرباء في أوقات الذروة دون تقليص كميات الغاز التي يحتاجها العراق والاقتصاد الوطني، وأضاف أن الحاجة المثلى لا تزال تتجاوز الـ50 ألف ميغاوات، على حد تعبيره.

كما تحدث مستشار رئيس الوزراء المالي، عن أهمية اتفاقات الربط الكهربائي مع دول الجوار الخليجي والأردن وتركيا، فضلاً عن تشجيع الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، لكنه أشار إلى أن هذه المشروعات بحاجة إلى توقيات زمنية وثقافة في الاستخدام، بالإضافة إلى حسابات دقيقة لتكاليف تنفيذها، بحسب وصفه.

الطريق إلى الانفكاك

المحلل الاستراتيجي علي عبد الزهرة يؤكد أن النفوذ الإيراني في العراق لا يرتبط بملفات محددة مثل الطاقة أو غيرها، بل نفوذ سياسي وعسكري، وله جانب اقتصادي أيضاً، لكن بغداد ستتأثر بإيقاف الإعفاءات الأميركية، كما أن الحكومة العراقية إذا لم تجد بديلاً كافياً للغاز الإيراني، فإن ذلك سيؤدي إلى خلق أزمة مجتمعية وسياسية داخل العراق، حسب قوله.

ويشير إلى أن طهران لا تعتبر أنها خسرت العائدات المالية التي كانت تحصل عليها من بغداد مقابل الغاز والكهرباء، بل، بحسب ما يُطلق عليه “الاتفاق الثلاثي”، تم إيجاد طريقة للالتفاف على العقوبات الأميركية، بموجب هذا الاتفاق، تتعاقد الحكومة العراقية مع تركمانستان لاستيراد الوقود، الذي يُرسل في الواقع إلى إيران.

وبالتالي، يستلم العراق الغاز من إيران، ويدفع ثمن الوقود الذي يصل إلى إيران إلى تركمانستان، لذا، فإن إيران لن تتأثر بقرار الولايات المتحدة بوقف إعفاءات بغداد.

فيما يرى عبد الزهرة، أن التعامل مع إيران يشكل تهديدًا للنظام المصرفي العراقي، فإن هناك مجموعة من المصارف العراقية التي وُضعت تحت طائلة العقوبات بسبب تعاملها مع إيران، مما يستدعي ضرورة الحفاظ على ما تبقى من القطاع المصرفي وإصلاحه بما يتماشى مع المعايير الدولية، فهذه المشكلة قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد العراقي، وفقاً لحديثه.

وأكد عبد الزهرة، أن الضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران تمثل بداية واضحة لتضييق الخناق على إيران بهدف تقليص نفوذها في العراق، ويعتبر أن هذه تعد فرصة مثلى لصانع القرار السياسي في العراق للتحرر من نفوذ إيران، ولإخراج العراق من دائرة الحرج مع الجانب الإيراني، ويمكن للعراق أن يبرر هذا التحرر بالاعتماد على العقوبات الأميركية كسبب للتخلص من القيود الإيرانية في القطاعات الأخرى.

وعن إنحسار النفوذ الإيراني في العراق، يرى عبد الزهرة أن تقليص هذا النفوذ يمكن أن يتحقق بتقليل تعامل القطاع المصرفي العراقي مع إيران، بالإضافة إلى تحجيم حركة الأموال بعملة الدولار إلى طهران بشكل فاعل، هذا سيدفع اللاعب السياسي الذي يمثل واجهة لإيران داخل العراق مضطراً للبحث عن بدائل أخرى، وبالتالي، فإن إيران ستفقد سلطتها على واجهاتها السياسية في العراق، ويقل نفوذها تدريجياً حتى يتلاشى في المستقبل، حسب قوله.

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً