السيمر / الأربعاء 19 . 10 . 2016
شارل ابي نادر*
قد يكون من المفضل للمجتمع الدولي بكافة اتجاهاته ان يتم تعديل الدستور الاميركي بشكل تجري من خلاله الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية كل سنة او كل سنتين كحد اقصى، كي يتبين للدول والشعوب والمجتمعات الاضطلاع على حقيقة سياسة هذه الدولة لناحية ما تقوم به من مؤامرات ودسائس ومخططات تدميرية مختلفة ، وذلك حين يطلق المرشحون لهذه الانتخابات العنان لكشف الفضائح المتبادلة والتي، لا يتسنى للعالم الوقوف على حقيقتها الا في هذه المناسبة “الوطنية” الاميركية .
وفي موضوع خلق ورعاية ودعم واحتواء داعش، لم يكن أحد ينتظر الفضائح الانتخابية الاميركية طبعا لتأكيد المؤكد؛ وعليه، فمن غير المنطقي ان تبقى الولايات المتحدة الاميركية تنظر إلى ربيبتها داعش تخسر وتنهزم في كل من العراق او سوريا، فهي رعتها وتحملت خطر اتهامها بالتواطؤ معها على الصعيد الدولي وحتى على الصعيد الداخلي الاميركي كي تستغلها بعد هذه الحرب الواسعة على سوريا وعلى العراق لتنفيذ مخطط جهنمي لتفتيت الدولتين المذكورتين وغيرهما ربما، مخطط لم تثبت عليه حتى الان لان الرياح لم تجر كما اشتهت سفنها وقاذفاتها وعملاؤها ومستشاروها ووحداتها الخاصة الموزعة في اغلب نقاط التماس الميداني والامني مع داعش في كل من سوريا والعراق.
هذا الصمود العراقي والسوري وبدعم واسع من حلفاء كانوا ايضا مستهدفين في هذا المخطط الاميركي افشل ويفشل ما سعى اليه الاميركيون في الميدان، وهم الان (الاميركيون) يركضون امام الجيشين العراقي والسوري وحلفائهما من معركة لأخرى، ما بين الموصل التي تلفظ فيها داعش انفاسها الاخيرة بعد الفلوجة وصلاح الدين وجزر الانبار على الفرات، حاملين داعش ومحاولين حماية ما تبقى من نواة منظمة او مبعثرة لها، والافلات بها الى جغرافيا يمكن ان تؤمن لها الحد الادنى من التماسك ومن القدرة على التأثير في الميدانين العراقي والسوري، ومن الواضح انهم اختاروا الشمال الشرقي السوري ما بين الرقة وما تبقى من ريفها الشمالي خارج سيطرة الاكراد شمالا، وما بين دير الزور وما يمكن ان يحاولوا اضافته بعد تثبيته لناحية السخنة باتجاه تدمر غربا، او لناحية الحدود العراقية السورية غرب الرطبة مباشرة جنوبا .
ميدانيا، قد لا يحتاجون للعبور من الموصل غربا باتجاه الرقة ودير الزور الا لتغطية جوية بسيطة في بقعة جغرافية صحراوية محدودة بعيدة عن سيطرة الجيش العراقي، ما بين غرب “تلعفر” باتجاه منطقة “البادي” العراقية وامتدادا الى “الصور” داخل سوريا شرق دير الزور حيث الميدان المذكور ما زال بالكامل تحت سيطرة تنظيم داعش، وقد يكونون قد اقتنعوا الان باسم جديد هو “دولة ما بين الرقة ودير الزور”، والمعطيات الامنية والاستعلامية وحتى الاعلامية تُجمع باغلبها على وجود عمليات نقل ناشطة لوحدات عسكرية ولبنى ادارية وتنظيمية لداعش من الموصل الى الرقة ودير الزور .
هذا الاختيار الحساس لهذه البقعة الاساسية من الشرق والشمال الشرقي السوري، مر بمخاض ميداني وعسكري واسع، تمثل اولا بان الولايات المتحدة الاميركية قامت بتحييد معركة تقدُّم الاكراد صوب الرقة وذلك في اللحظة الاخيرة بعد السقوط المفاجئ ( في نظرهم طبعا) لمدينة الفلوجة وما نتج عنه من تداعيات دراماتيكية على داعش ، والذي خسر نقاط تأثيره الاكثر استراتيجية في عملياته الارهابية على بغداد وعلى الجنوب العراقي خاصة على كربلاء وما تعنيه من رمزية في العراق وفي العالم، وخسر قدرته الاساسية في الميدان داخل العراق على امتداد نهر الفرات ما بين ابو غريب غرب بغداد وما بين القائم على الحدود السورية، وتمثل هذا المخاض ثانيا بالتدخل المباشر، الوقح، والسافر للطيران الاميركي لتغطية تقدم داعش ولتأمين سيطرته على قسم كبير من جبل الثردة الاستراتيجي والمهم والضروري لحماية نقاط تواجد الجيش العربي السوري في مطار وفي مدينة دير الزور ومحيطها القريب ، والذي هدفوا من خلاله الى اكمال سيطرة التنظيم الارهابي على كافة مواقع ونقاط مدينة ومحافظة دير الزور ضمنا المطار ، وبالتالي لابعاد اي تواجد للجيش العربي السوري من الشرق ولقطع تواصله وارتباطه الميداني المرتقب مع الجيش العراقي شرقا .
واخيرا … وكما يكون الميدان دائما مسرحا يُظَهِّر من خلاله الاميركيون مخططاتهم ، يجب ان يكون هذا الميدان مسرحا لافشال هذه المخططات ، و حيث ان معركة استعادة الدولة السورية لمدينة الرقة ولمحيطها تواجهها صعوبات كبيرة الان ، منها ما هو ميداني و منها ما له علاقة بالتداخل الاميركي الكردي فيها ، قد تكون استعادة الجيش العربي السوري لمدينة دير الزور ولمحيطها حتى الحدود العراقية ، ومن خلال معركة صاعقة وسريعة ذات اهمية استراتيجية كبرى لافشال وبتر المخطط الاميركي السعودي الداعشي المذكور .
*عميد متقاعد
العهد اللبنانية