السيمر / الاحد 08 . 07 . 2018
هند بشير يونس
للدكتور علي شريعتي ثلاثة كتب عن الحج يعبر فيها عن فلسفة مناسك الحج. يقول شريعتي في كتابه (الحج, الفريضة الخامسة) عن اولى تلك المناسك وهي (النية) : ( إنها نية تلبية دعوة رب الناس إلى بيت الناس، نية الانتقال من بيتك إلى بيت الناس، من الطبقية والعنصرية إلى المساواة والوفاء والحق، من إنسان تغطيه الثياب إلى فرد عارٍ لا يستر جسده إلا خرقة، من الحياة الرتيبة اليومية إلى الحياة السرمدية الأبدية). ويقول عن الاحرام : ” بعد التجرد من الملابس ولبس الكفن الأبيض..كل يفني ذاته ويأخذ شكلا جديدا, هو شكل الانسان كما خلقه الله, كل (أنا) تموت في أرض الميعاد لتنشأ (نحن)….ادخل الى الميقات فردا, هنا يبدأ العرض, وفيه يجب على الانسان أن يبدّل ملابسه. لماذا؟ لأن ثياب الانسان تكسوه من الخارج ماديا كما تكسوه الشخصية معنويا. فملابسنا هي التي تعبر عن أنماط حياتنا, وتميزنا وتحدد طبقتنا ووجهة تفكيرنا, وهي التي تقيم الفواصل والحدود بين الناس, مما يسبب الفرقة بينهم في معظم الاحوال. وأكثر من ذلك, فان الملابس تجعل مفهوم (الأنا) يقتحم, وليس مفهوم (النحن). كلمة (أنا) في الملبس تأتي في سياق يعبر عن (عنصري) أو (طبقتي) أو (مكانتي) أو (أسرتي) أو (مقدرتي) “. و ويقول موضحا فلسفة الميقات والإحرام “اخلع ثيابك الآن عند الميقات، وارتد الكفن المؤلف من قماش أبيض خالص. أصبحت ثيابك مثل ثياب أي فرد، وبدا الجميع في الزي الموحد، تحولت إلى جزء ينضم إلى الكتلة العريضة، وإلى قطرة تدخل في المحيط. لا تكن مختالا فلست هنا لتلاقي ندا أو نظيرا، بل تواضع وانكمش واخشع لأنك ستلقى الله، كن الحي الذي يقترب من الموت أو الميت الذي يستشعر وجوده”.
وفي حديثه عن الطواف يقول :
كالنهر المنساب الذي يدور حول صخرة صلدة يبدو مشهد الكعبة وهو محاط بأمواج البشر المنفعلة نفوسهم.
إنها كالشمس في المركز، والناس حولها كالأجرام التي تسبح حولها.
مدار النظام الشمسي: الكعبة قائمة في المركز، والناس يتحركون حولها في شكل دائري.
الكعبة ترمز لخلود الله ودوامه، بينما الحركة الدائرية تمثّل النشاط الدائم والحركة المستمرّة لخلائقه.
إنَّ الله تعالى هو مركز الوجود سبحانه، وهو بؤرة هذا العالم الزائل الذي نعرفه والعوالم التي لا نعرفها. وعلى النقيض يكون الإنسان! فما أنت إلا مجرّد جسيم يتحرّك متغيراً مما هو عليه إلى ما ينبغي أن يكون عليه.
وأياً كان مكانك وموقعك في أي زمان، عليك أن تجعل بينك وبين الكعبة رباطاً مستمراً دائماً، هذا الرباط يقوى ويضعف حسب السبيل الذي تختاره. والكعبة ليست هي المحطة الأخيرة. إنّ الجميع يحيطون بالكعبة كشخصية معنوية واحدة، كتلة متحركة واحدة. إنهم هوية واحدة، لا هوية منفردة لأحدهم.. رجلاً كان أو امرأة, أبيض أو أسود..إنّه تحوّل الشخص الواحد إلى المجموع المنفرد من الناس..ويقول عن الطواف والسعي: (“فريضة الحجّ هي التي تربط بين الطواف والسعي وتحل التناقض الذي أشكل على الإنسان عبر تاريخه، الماديّة أم المثاليّة، العقلانيّة أم الروحيّة، إرادة الإنسان أم إرادة الله، التوكّل على الله أم الاعتماد على النفس، هنالك يعلّمنا الله أنّ الإجابة هي: كلاهما”. ويقول شريعتي في جملة جامعة: “الكعبة هي الاتّجاه وليست نقطة الوصول، هي القبلة، الحجّ لا ينتهي بالكعبة ولكنّه يبدأ حينما تغادرها”.
اما الحجر الاسود فهو رمز يذكر الانسان بالعهد الذي قطعه مع ربه. فالمسح عليه (استلامه) يمثل تجديد العهد مع الله بأن لا يعبد سواه. والطواف عادة يبدأ من الحجر وينتهي بالحجر. فوجوده ضروري لتنظيم الطواف. ولا يهم ان كان حجرا من الجنة او من السماء, فقد كثرت الروايات حول أصله. ويبدو انها احاديث احاد. هناك رواية جاء بها الترمذي مرفوعة الى ابن عباس (نزل الحجر الاسود من الجنة وهو اشد بياضا من اللبن فسودته خطايا ابن ادم). وعلى هذه الرواية بنى باحثون معاصرون مثل (سيد القمني) توقعاتهم حول سبب سواد الحجر منها (ان الحجر كان ابيضا لكنه اسود من مس الحيض في الجاهلية) ولعل ذلك اشارة الى الطقوس القديمة فيما يعرف بالجنس المقدس, والتي حاولو تطبيقها على مناسك الحج, لغرض تثبيت الفكرة القائلة ان مناسك الحج هي طقوس وثنية كما يدعون.
يقول الدكتور مصطفى محمود: جميع شعائر ديانتنا ليست طقوساً كهنوتية بالمعنى المعروف، وإنما هي نوع من الأفعال التكاملية التي يتكامل بها الشعور والتي تسترد بها النفس الموزعة وحدتها ..
إنها وسيلة لخلق إنسان موحد.. قوله هو فعله.. فالكرم لا معنى له إذا ظل تصريحاً شفوياً باللسان، وإنما لابد أن تمتد اليد إلى الجيب ثم تنبسط في عطاء ليكون الكرم كرماً حقيقياً.. هل هذه الحركة وثنية أو طقساً كهنوتياً.
وبهذا المعنى، شعائر الإسلام ليست شعائر، وإنما تعبيرات شديدة البساطة للإحساس الديني.