السيمر / الخميس 19 . 07 . 2018 — السائد في أوساط الرأي العام أنّ الاحتجاجات التي تشهدها المحافظات الجنوبية بالعراق، لا ترتبط بأيّ جهةٍ سياسيةٍ أو حزبية، كما أنّ أياً من هذه الجهات لمْ تصرح بأنّها هي من تقف وراء الاحتجاجات، أو تتحدث باسمها خلافاً لاحتجاجاتٍ سابقةٍ نظّمها التيار الصدري بالتنسيق مع التيار المدني.
ولا تخلو تصريحات مختلف القوى الدينية، والسياسية، من اتهاماتٍ لجهاتٍ خارجيةٍ بتفجير الأوضاع في جنوب ووسط العراق، من خلال توظيف بعض التيارات والقوى السياسية والاجتماعية، لحرف بوصلة الاحتجاجات «السلمية» باتجاه العنف، وزعزعة الأمن والاستقرار لإدخال البلاد في حالةٍ من الفوضى الأمنية. وليس من المستبعد أنْ تَعمَد جهاتٌ خارجية ، للاستفادة من الاحتجاجات واستغلال ما يجري وتوظيفه لمصالحها الخاصة، في سياق التنافس بين الأطراف الإقليمية والدولية على تحقيق المكاسب السياسية والاقتصادية، من خلال دعم وتوجيه القوى المحلية الحليفة لأطراف الصراع والتنافس، ما قد يحول العراق إلى ساحةِ صراعٍ لتصفية الحسابات على حساب المصلحة الحقيقية للشعب العراقي.
توقيت اندلاع الاحتجاج يطرح علامات استفهام
ويُثير توقيت اندلاع شرارة الاحتجاجات جملةَ تساؤلاتٍ عن الأبعاد السياسية المحلية والدوافع الإقليمية والدولية التي يُعتقد أنّ لها دوراً ما في تأجيج الاحتجاجات، وتصاعد وتيرتها. هدّدت إيران في 3 يوليو/تموز 2018 جميع دول العالم، بما فيها العراق، بمنع بيع النفط إذا لمْ يُسمح لها ببيعه.
وجاءت الاحتجاجات التي انطلقت في 8 يوليو/تموز بعد 3 أيامٍ فقط من تصاعد حدّة التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق «هرمز» الحيوي، لنقل أكثر من 30% من احتياجات سوق النفط العالمي.
ففي 5 يوليو/تموز، هدّد محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني، بإغلاق مضيق «هرمز» أمام حركة الملاحة العالمية، بعد إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية على إيران بحلول 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لحرمانها من تصدير نفطها إلى الخارج. وبالتزامن مع التهديدات الإيرانية، انطلقت الاحتجاجات في البصرة التي رافقتها في الأيام الأولى محاولات عرقلة إنتاج النفط العراقي، وتصديره، بعد محاصرة محتجين لمكاتب شركة نفط الجنوب، وعددٍ من حقول النفط التي تضمُّ مقراتٍ لكبرى شركات النفط العالمية الأميركية والروسية والبريطانية وغيرها.
ويمكن لإيران بما تمتلك من نفوذٍ على قوى محلية سياسية، ، أنْ تُثبتَ قدرتها على إيقاف إنتاج النفط العراقي ووقف تصديره، إذا مضت الولايات المتحدة قُدماً في الضغط على الشركاء؛ لمنعهم من شراء النفط الإيراني في الموعد المُعلن في 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث تحدّث مسؤولون أميركيون بأنّهم عازمون على منع تصدير النفط الإيراني وبلوغه «صفر». في المقابل، يُمكن تفسير الخطوة الإيرانية بوقف إمدادات الكهرباء في هذا التوقيت بأنّها ورقةٌ من أوراق الضغط التي تملكها على حكومة العراقية.
استثمار الاحتجاجات
وتُحاول بعض القوى الحليفة للاجندات الخارجية الاستثمار في الاحتجاجات الراهنة، لعرقلة مجمل العملية السياسية في حال مضت باتجاه استبعادهم بشكلٍ كلي أو جزئي بأقل من الاستحقاق الذي يرونهُ مناسباً لدورهم في الحكومة المنتظرة؛
وتدعم الولايات المتحدة، الجيش العراقي بشكلٍ مطلق ويثير تعدد التشكيلات المسلحة وتباين ولاءاتها مخاوف الصدام المسلح في قوات الجيش العراقي، في حال استمرار الاحتجاجات، وزيادة أعداد الضحايا بين المحتجين على يد عناصر حمايات مقرات تلك الفصائل، الذين أوقعوا عدداً من القتلى بين صفوف المحتجين أثناء محاولاتهم اقتحام مقراتهم. في حال تصاعد حدّة التوتر والدخول في مواجهاتٍ واسعة، ستجد الولايات المتحدة نفسها ملزمة بالتدخل لحماية العملية السياسية القائمة في العراق، والحفاظ على وحدة وسيادة العراق، بموجب اتفاقية «الإطار الاستراتيجي»، التي وقّعها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2009.
إسقاط النظام السياسي يزعج بعض الدول
قد تتطلب حماية العملية السياسية المتمثلة بالنموذج الديمقراطي، الذي صاغته الولايات المتحدة، التدخل بشكلٍ ما لإسقاط النظام السياسي القائم، الذي تمثله حكومة «تصريف الأعمال» التي يترأسها حيدر العبادي، وتشكيل حكومة «إنقاذ وطني». وتتبنى قياداتٌ سياسية، منها إياد علاوي نائب الرئيس العراقي، الدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، لتهدئة الأوضاع، والتمهيد لإجراء انتخابات جديدة بعد انتخابات مايو/أيار 2018 التي شابها الكثير من الإشكالات والطعون بنزاهتها. من شأن إسقاط النظام السياسي تقويض نفوذ بعض الدول في العراق ما يدفع الولايات المتحدة للتفكير الجدي بإسقاط النظام القائم في إيران استجابةً لتيارٍ واسع في مراكز صنع القرار في الإدارة الأميركية يُخطط لتغيير النظام، ويأتي تشديد الإجراءات العقابية ضدّ إيران في هذا السياق.
المصدر:عربي بوست