السيمر / فيينا / السبت 01 . 06 . 2019
عباس بخاتي
بلسان عربي غير مبين، هاجم ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز، ما وصفه بالتدخل الإيراني بشؤون دول المنطقة، مبديا اعتزازه بقدرة حكوماتها وشعوبها على مقاومة التصرفات الاستفزازية لإيران. الحكومات العربية خصوصا تلك التي تدين بالطاعة للسعودية، كعادتها بالقفز على الحقائق، تسعى جاهدة لاضهار الأمور مثالية،من قبيل الإشارة إلى الجسد العربي الواحد ولملمة اشلاءه المبعثرة وتسويق المفردات التي عفا عليها الزمن كالعمل العربي المشترك وتوحيد الكلمة لمواجهة التحديات! بالرغم من أن العنوان الأبرز للقمم الثلاث التي عقدت في مكة، يتمحور حول إيران والدفع باتجاه شن الحرب عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الأمر الذي يتعامل معه الإعلام الخليجي بحذر شديد يتعلق باستفحال الخطر التركي الذي لا يقل شأنا عن التهديدات الإيرانية، بيد أن العقلية الخليجية غير مستعدة لفتح أكثر من جبهة، إذ ما أخذ بنظر الاعتبار، الأوضاع المقلقة في ليبيا والسودان والجزائر والتوقعات غير المؤكدة بدخول الطرف التركي على خط الأزمة في تلك البلدان ناهيك عن الوضع السوري وتعقيداته. العقدة العربية تجاه (العدو الإيراني) المفترض أصيبت بخيبة أمل، بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الامريكي ترامب ،والتي استبعد اندلاع الحرب مع إيران، وهو ما جاء خلاف ماتشتهي سفن الخليج التي ارعبتها الطائرات المسيرة القادمة من اليمن! أغلب المعطيات تشير إلى نهاية الحسم لصالح الدبلوماسية الهادئة التي تنتهجها إيران،التي تشهد تباينا واضحا في المواقف بين الحرس الثوري والفريق الحكومي، الأمر نفسه تشهده الولايات المتحدة، إذ إن البنتاغون والخارجية يتفقان مع تطلعات بولتون بدفعه إلى الحرب بغض النظر عن نتائجها، بينما موقف الرئيس يميل إلى المهادنة نوعا ما خصوصا بعد تدني مستوى الحدة في خطاباته. لا يمكن تجاوز هواجس ترامب الذي يبدو ان تفكيره بما ستكون عليه نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة قد انعكس على تصريحاته الأخيرة من اليابان والتي خيبت آمال بعض الحكومات العربية ،التي تمني النفس ولو بإطلاق صاروخ أمريكي واحد على أي هدف ايراني، كي يكون مادة دسمة لشغل الساحة الإعلامية لتلك الدول. مجلس التعاون الخليجي هو الآخر يشهد انقسامات حادة وتباين في مواقف أعضاءه حيال الأزمة الإيرانية _الأمريكية إذ أن قطر تعد من أبرز حلفاء إيران خصوصا بعد تمردها على الإرادة السعودية وخروجها عن الإجماع الخليجي الذي أدى إلى فرض حصار عليها من قبل بعض البلدان العربية. عمان هي الأخرى أبدت عدم انسجامها مع الرؤية السعودية، من خلال وساطاتها غير المعلنة بين أقطاب الصراع، كذلك الكويت التي ترى في تفاقم الأزمة ضررا كبيرا على المنطقة برمتها وهي بذلك تنسجم مع موقف العراق الذي عبر عنه بعدم موافقته على اتخاذ أراضيه منطلقا للعدوان على أي دولة كونه يتمتع بعلاقات استراتيجية مع الدولتين المتخاصمتين. الموقف العراقي اتسم بالقوة بعد الانسجام الملموس بين مواقف الرئاسات الثلاث والموقف الشعبي الذي يستند إلى الإيمان بالدستور كونه ينص على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى. الإشارة للشأن الفلسطيني في البيانات الختامية لتلك القمم، ماهو إلا تحصيل حاصل كونه إجراء روتيني دأب المواطن العربي على سماعة عقب كل قمة، بل حتى الفلسطينين أنفسهم فقدوا الثقة بتلك الاجتماعات كونها تتناغم مع الرغبة الأمريكية في تحديد الكيفية التي يجب ان يكون عليها المشهد العام للشرق الأوسط. عانت القضية الفلسطينية من إهمال متعمد من قبل السياسة الأمريكية التي تنصلت عن وعودها بحل الدولتين، وما زاد الطين بلة هو قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ثم انشغال الإدارة الأمريكية بتهيئة الأجواء المناسبة لابرام صفقة القرن.