الرئيسية / مقالات / الامتدادات الخارجية لحقولنا النفطية

الامتدادات الخارجية لحقولنا النفطية

كاظم فنجان الحمامي

لسنا مغالين إذا قلنا: أن أدوات السيطرة الوطنية لأي دولة من دول العالم على مواردها المخزونة في باطن الأرض تكاد تكون محدودة أو مقيدة أو مفقودة، وبخاصة فيما يتعلق بحقولها النفطية المتداخلة مع حقول دول الجوار، والتي غالباً ما تكون امتداداتها بعيدة كل البعد عن السيطرة السيادية المطلقة، وهذا ما ينطبق علينا تماماً. ولا اختلاف هنا بين القيود المفروضة على ملكيتنا لمخابئ المعادن الكامنة تحت أقدامنا في جوف الأرض، وبين حدود سيطرتنا على الغيوم والسحب المتجمعة فوق رؤوسنا، وتحركاتها الطبيعية في أجوائنا، فمثلما تتحرك السحب في مساراتها العابرة لحدود البلدان والقارات، تتمدد أذرع المياه الجوفية في شرق الأرض وغربها من دون أن يكون لتمددها ارتباطا بالحدود الدولية التي رسمتها المعاهدات السياسية. وهكذا الحال بالنسبة لامتدادات الحقول النفطية في تجاويفها العميقة داخل طبقات القشرة الأرضية.
لا ريب أن الدعامات الحدودية لا تمتلك القدرة على احتجاز المكامن النفطية بخطوط الطول والعرض في رقعة مرسومة على الخرائط الورقية، ولا قدرة لها على إخضاعها أو التحكم بها. فالحدود المقامة على سطح الأرض أشبه بالجسور والقناطر المتشابكة فوق بحر عظيم مترامي الأطرف يتألف من كميات هائلة من المواد المنصهرة، والغازات الطبيعية المضغوطة، والسوائل البترولية المنسابة في كل الاتجاهات. من هنا لجأت البلدان المتجاورة إلى التشريعات والأعراف الدولية النافدة لكي تضمن حقوقها وتصون مواردها، من دون أن تقحم شعبها في دوامات النزاعات السيادية، ومن دون أن ترمي نفسها في حلبة الصراعات الإقليمية الاستنزافية العقيمة.

أصل الحكاية
لو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا أن الحقول الأمريكية الصغيرة، التي اكتشفوها في حقبة الثلاثينات من القرن الماضي كانت في حدود المساحات المنزلية الضيقة. أو في محيط المقاطعات الزراعية المملوكة لبعض الأثرياء، ولما كانت حدود الملكيات الشخصية في التشريعات الأمريكية القديمة تمتد لتشمل كل ما يقع تحت طبقات الأرض من معادن ومواد، فإن التهافت التنافسي بين مالكي البيوت والعقارات المتجاورة من جهة وبين مالكي المقاطعات الزراعية من جهة أخرى، هو المؤشر العملي المتسارع في استخراج أكبر ما يمكن استخراجه من باطن الأرض في غضون فترات زمنية قياسية. آخذين بنظر الاعتبار أن الخواص الجيولوجية والجيوفيزيائية لا تتجمع في بقعة محددة، وإنما تمتد لمسافات بعيدة ومساحات شاسعة تتساوى فيها الضغوط، التي تعد بمثابة المحرك الطبيعي اللازم لتدفق النفط نحو السطح، وبالتالي فإن أي جزء يتعرض للسحب من اجل إنتاج كميات كبيرة سيكون على حساب بقية الأجزاء غير المنتجة، أو المنتجة بمعدلات أقل، ما يعني هجرة المواد النفطية نحو المقطع أو المقاطع المنتجة. بمعنى آخر إن قانون الأواني المستطرقة هو الذي يتحكم بسرعات تدفق المواد النفطية من مكان لآخر. الأمر الذي خلق حالة فوضوية بين المتنافسين والمتهافتين على الثروات النفطية المُستخرجة من باطن الأرض. ثم تصاعدت وتيرة الفوضى لتتحول إلى نزاعات مسلحة ومواجهات مميتة بين المتنافسين، فظهرت أول مرة مجموعة من الأعراف والتشريعات الارتجالية لفض النزاعات المتجددة، لكنها لم تكن قادرة على حسمها نهائياً، خصوصا بعدما توسعت دوائر النزاعات النفطية لتشمل الولايات الأمريكية والبلدان القريبة منها. ولم تستقر الأوضاع على التشريعات المحلية الضعيفة حتى جاء اليوم الذي اضطرت فيه البلدان النفطية إلى الاتفاق على قواعد ملزمة التطبيق، ترسم ضوابط الإنتاج من الحقول المشتركة، وتضع القيود اللازمة للمحافظة على حقوق الغير، وعدم التجاوز عليها. فحملت اسم اتفاقية التوحيد (Unification)، التي تناولت الأسس العادلة للإدارة المشتركة، وتناولت ضوابط الإنتاج المعتمدة على حجم المخزون النفطي في كل جانب من الجوانب التي تحددها المسوحات الجيولوجية والمجسات الجيوفيزيائية، حتى استقرت الأمور على تطبيقات الأحكام العادلة المتفق عليها دولياً، والتي ضمنت حقوق البلدان المتجاورة والمتشاطئة، وسمحت لهم إبرام العقود والاتفاقيات الثنائية بأعلى مستويات الشفافية والثقة المتبادلة، ومن دون الدخول في مطبات الخلافات والصراعات غير المجدية. وأصبح لزاماً على حكومات البلدان النفطية الإسراع لعقد الاتفاقيات السيادية لضمان حقوقها الوطنية، ولمنع التجاوزات والانتهاكات والمخالفات التي قد ترتكبها دول الجوار.

أين نحن من هذا كله ؟
ربما يكون العراق البلد النفطي الوحيد الذي لم يفكر حتى الآن بإبرام الاتفاقيات النفطية الثانوية للحفاظ على ثرواته النفطية الكامنة في حقوله المشتركة، ولضمان عدم استغلالها من قبل دول الجوار. لسنا متأكدين تماماً من هذا الأمر. لكن أشهر الخبراء العراقيين، وأكثرهم تفهما لامتدادات حقولنا النفطية يعترفون بهذا التقصير الموروث بالتعاقب. ولسنا هنا بصدد إلقاء اللوم على دول الجوار (الكويت والسعودية وإيران وسوريا)، فهي تسعى جاهدة لانتهاز الفرص المتاحة لها، وتحث الخطى لشفط ما يمكن شفطه من محتويات حقولها المحاذية لحدود العراق في ظل الإهمال الموروث منذ زمن بعيد. حتى صار بمقدور أي متجول في المناطق الحدودية مشاهدة تعزيزات الجهود الهندسية الثقيلة التي تلقيها دول الجوار، والتي تواصل العمل الدءوب، بمعدل 24 ساعة في اليوم، ومن دون توقف، من أجل الاستحواذ على اكبر الكميات، وسحبها بأقصى سرعة، وبأعلى طاقة إنتاجية، بينما يقف المواطن العراقي حائرا أمام تجاهل مؤسساتنا النفطية لهذا الأمر المؤسف، وكأنها غير معنية بمعالجة أخطاء الإدارات السابقة.
لا ريب أن إقدام دول الجوار على رفع وتيرة الإنتاج من الحقول المشتركة، سيؤدي في النهاية إلى هجرة النفط باتجاه الطرف الأسرع والأقوى، بمعنى أن تهافت دول الجوار نحو رفع وتيرة الإنتاج من الحقول المحاذية للحدود العراقية سيخلق حالة من التخلخل في الضغوط تصب في مصلحتها، وتصيب العراق بأضرار فادحة.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الحقول النفطية تتألف من طبقات ومكامن بأعماق متباينة ضمن حدود الحقل الواحد، وتتألف المكامن والطبقات من مخزونات نفطية بكميات ومواصفات تعتمد كليا على الخواص الجيولوجية والجيوفيزيائية لباطن الأرض، وتتأثر بعوامل أخرى. لذا فأننا عندما نتحدث عن أي حقل عراقي مشترك، فإننا سنتقيد بطبقة بعينها. أو بمكن من المكامن العديدة، التي بينتها الدراسات الجيولوجية القديمة، وأكدت عليها الدراسات الهندسية اللاحقة.

الحقول المشتركة مع الكويت
وفيها حقول منتجة، وحقول غير منتجة، لذا سنتحدث أولا عن الحقول المنتجة، التي تتألف من:-
•حقل الرميلة الجنوبي في مكمن (السجيل الأعلى). أي أن حقل الرميلة الجنوبي يشترك مع الكويت في مكمن واحد، هو مكمن (السجيل الأعلى)، علما أن حقل الرميلة الجنوبي يحوي خمسة مكامن نفطية، وهنالك بعض الدراسات والدلائل تشير إلى وجود مكن آخر. أو طبقة نفطية أخرى مشتركة مع الكويت. يمتد هذا المكمن نحو الجنوب ونحو الشمال، ويبلغ طوله حوالي (75) كيلومترا، خمسة كيلومترات منها في الجانب الكويتي، أما موقع الإنتاج من مكمن (السجيل الأعلى) فهو محطة (الرطقة) في الجانب العراقي، تقابلها محطة (الرطقة) أيضاً في الجانب الكويتي. وقد باشر العراق إنتاجه من هذه المحطة في بداية السبعينات بمعدلات متواضعة، بينما رفعت الكويت إنتاجها من هذا الحقل بمعدلات عالية. آخذين بنظر الاعتبار تعداد الآبار المضافة إلى الجانب الكويتي بعد ترسيم الحدود، والتي تتألف من تسعة آبار منتجة، مع بعض آبار المراقبة. ويشير خبراء النفط إلى قيام الجانب الكويتي بالإنتاج من مكمن (السجيل الأعلى) اعتبارا من تموز عام 1980 بمعدل (28000) برميل يوميا. ثم انخفض إنتاجهم فجأة ليصل إلى (11000) برميل يومياً في آذار عام 1981، بسبب توقف بعض الآبار عن الجريان الطبيعي، ما اضطرها إلى الاستعانة بالمضخات الغاطسة.
•حقل الزبير – المكمن أو الطبقة النفطية المشتركة هي طبقة أو مكمن (الزبير). أما محطة الإنتاج من هذا المكمن في الجانب العراقي فهي (قبة صفوان) بمعدلات متواضعة، في حين حققت وتيرة الإنتاج معدلات عالية نسبيا في الجانب الكويتي. تجدر الإشارة أن هذه (القبة) تقع على بعد ثلاثة كيلومترات إلى الشرق من مدينة (صفوان)، وتبعد حوالي (12) كيلومترا عن (الرافضية). أما عدد الآبار المضافة للكويت بعد قرار ترسيم الحدود فهي ثلاثة آبار منتجة فقط. وقد صلت معدلات الإنتاج الكويتي من (قبة صفوان) في حدود (40000) برميل يومياً قبل عام 2008، لكنها ارتفعت بعد عام 2008 في منطقة (العبدلي) إلى (80000) برميل يوميا.

دعونا الآن نستعرض الحقول غير المنتجة أو غير المطورة، وهي:-
•حقل أم قصر. أظهرت المسوحات الزلزالية إلى وجود خشم تركيبي يمتد بطول تسعة كيلومترات في الأراضي العراقية، لكن امتداده غير معروف في الأراضي الكويتية.
•الحقول الساحلية والبحرية المتروكة في المياه الإقليمية المتداخلة والمتشاطئة في خور عبد الله وخور الخفقة.
•حقل جبل سنام. وهو عبارة عن خشم تركيبي بطول خمسة كيلومترات في الجانب العراقي، أما انغلاقه العمودي فهو غير معروف، لأن الخشم يرتفع تدريجيا عبر الحدود العراقية الكويتية ليختفي تماما في الكويت.
من نافلة القول نذكر أن بعض المواقع في حثل الرميلة (الرطقة)، والزبير (قبة صفوان) تعرضت عام 2003 للتخريب الشامل الأمر الذي اضطر مدير عام شركة نفط الجنوب (جبار اللعيبي) إلى وضع مشاريع أعمار تلك الحقول في أولويات برامجه التطويرية، بما يضمن تصعيد الانتاج منها بمعدلات تفوق المعدلات التي سبقت الأحداث وذلك لأهميتها الاستراتيجية والوطنية.

الحقول المشتركة مع إيران
والتي يمثلها موقع البصرة في مناطق (السيبة) وهو قيد التطوير في الجانب العراقي، و(السندباد) وهو قيد التطوير في الجانب الإيراني. ويمثلها أيضاً موقع ميسان في مناطق (أبو غراب) وهو الآن في حالة إنتاج في الجانب العراقي، لكنه يخضع للتطوير على نطاق واسع في الجانب الإيراني.
وتكاد تتكرر المعدلات المتناقضة نفسها في (الفكة)، بينما تتميز منطقة (الحويزة) ببعض الأعمال الاستكشافية الأولية في الجانب العراقي، تقابلها مشاريع التطوير والتأهيل في الجانب الإيراني. قد تختلف أسماء الحقول والمكامن والطبقات المشتركة بين العراق وإيران، لكن مكوناتها ومحتوياتها تبقى نفسها مهما اختلفت المسميات، فالطرف الإيراني لامتداد حقل الفكة العراقي يحمل اسم (بايدار غرب) داخل الأراضي الإيرانية، وامتدادات حقل (أبو غرب) داخل الأراضي الإيرانية تحمل اسم (دهلران)، وامتدادات حقل (نفط خانة) في ديالى، تحمل اسم (نفت شهر) في الأراضي الإيرانية، وامتدادات حقل (بدرة) تحمل اسم (أزر) في الجانب الإيراني، وامتدادات حقل (الحويزة) تحمل اسم (سهراب) في إيران، وامتدادات حقل (السيبة) تحمل اسم (خرمشهر) في إيران، وامتدادات حقل السندباد تحمل اسم (شلمجة) الإيرانية، وامتدادات تركيبة (زرباطية) تحمل اسم (كولاك بزرك) في إيران، وامتدادات تركيبة (مندلي) تحمل اسم (دلاوران) في إيران، وامتدادات تركيب (دربنديخان) في السليمانية تحمل اسم (تازه أبادت) في إيران. وهكذا تتغير المسميات والعناوين للتراكيب نفسها من مكان إلى آخر.

الخاتمة
لا شك أن تداخل الحقول النفطية بين البلدان المتجاورة يفرض واقعا جغرافيا ونفطيا، ويُلزمها بإبرام عقود الاستغلال المشترك بحصص تتناسب وحجم النفط المتواجد في باطن الحقول المتمددة خلف الحدود. وبات واضحا أن هذا الواقع النفطي المتداخل يمثل العديد من الحالات الواسعة الانتشار بين دول العالم، أما آلية ضبط واحتساب الحصص وأحجامها وكمياتها فهي من أهم وظائف الهيئات الدولية المحايدة المتخصصة في هذا المضمار. إلا أن إثارة هذه المواضيع والمطالبة بالحقوق والمستحقات تثير في أقطار الشرق الأوسط بعض النعرات السياسية، وتحرك بعض المواجع القديمة، وربما تفقئ الجراح القديمة، وتتسبب في تجديد الصراعات وتحريك المياه الراكدة. فهل تمنعنا هذا الهواجس من إخضاع حقولنا المشتركة للقوانين والقواعد والأعراف الدولية ؟، وما الذي يحول دون قيامنا بإبرام المعاهدات والاتفاقيات الثانوية مع دول الجوار أسوة ببقية الأقطار العالمية التي سبقتنا في الحفاظ على ثرواتها النفطية من الضياع ؟. آخذين بنظر الاعتبار أن شركة نفط الجنوب بذلت جهوداً مضنية في المدة 2004 – 2008 من أجل التوصل مع الكويت وإيران إلى اتفاقيات (التوحيد) في إدارة الحقول المشتركة، لكن تلك الجهود باءت بالفشل، ولم تسفر عن شيء. فمتى تبادر المؤسسات المعنية بأجراء المسوحات الدقيقة، وانجاز الدراسات المعمقة حول هذه الحقول المتمددة وراء حدودنا الدولية ؟. فقط متى ؟؟. ومتى فقط ؟؟.