السيمر / الثلاثاء 26 . 09 . 2017 — شبّه باحث عراقي مقيم في لندن بين الدور السياسي لمرقد الإمام الحسين (ع) في كربلاء في استنهاض الشعب العراقي بالضد من الحاكم الظالم والإستعمار الاجنبي على مر التاريخ ، والدور السياسي المشهود لمقام رأس الإمام الحسين في القاهرة في استنهاض الشعب المصري واتخاذ المقام قاعدة للتعبئة الشعبية في مواجهة قوى الإستعمار وأذنابه.
جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الدكتور نضير الخزرجي في مؤسسة الإبرار الإسلامية في العاصمة البريطانية لندن ظهر الإثنين 25/9/2017م، متحدثا عن مقام رأس الحسين في قلب العاصمة المصرية القاهرة ونشأته ودوره التاريخي في حياة الشعب المصري تحت عنوان: (ما لا تعرفه عن مقام رأس الحسين في القاهرة).
في البدء ميّز الباحث المشارك في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن بين المقام والمرقد، حيث الأول يعود الى معنى الإقامة والمكوث واللبث في المكان كما في قوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) سورة البقرة: 125، والثاني يعود الى الرقود وموضع الرقاد والإضطجاع أي القبر والجدث، كما في قوله تعالى: (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) سورة يس: 52، مشيرا إلى عدد من المقامات المتوزعة في الأرض مثل مقام الخضر وهو من الأنبياء الأحياء حيث يتعدد مقامه في أكثر من موضع كما في بغداد والموصل وغيرهما، ومقام الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) في كربلاء المقدسة نسبة إلى مكوث الإمام وسكنه لعامين في السنتين 144 و145 هجرية.
وبالنسبة إلى الإمام الحسين (ع) وحيث أن جسده الشريف في كربلاء فيقال له المرقد، وحيث طاف العسكر الأموي برأسه الشريف في البلدان، فأيما موضع حلّ فيه الرأس سمي ذلك المكان بالمقام.
وفيما يخص رأس الحسين الشريف الموجود في القاهرة حسب الرواية المصرية، فإنه تم نقله من دمشق ودفن في مدينة عسقلان (أشكلون) على بعد 30 كيلومترا من غزة في بداية القرن الثاني الهجري في عهد عمر بن عبد العزيز بعد سنة 101هـ، وقيل مع قيام الدولة العباسية سنة 132ه، وقيل على يد الفاطميين في القرن الخامس الهجري، ومن عسقلان نقل سنة 548هـ الى القاهرة في عهد الوزير الأعظم الملك الصالح طلائع بن رزّيك الأرمني المتوفى سنة 556هـ، ودفن في مكانه الحالي سنة 549هـ.
وتطرق الدكتور الخزرجي الباحث المشارك في دائرة المعارف الحسينية بلندن في كلمته إلى تفاصيل دقيقة عن مقام الرأس الشريف في القاهرة من وحي زيارة عمل ميدانية الى المقام في خان الخليلي وما يتعلق به، وزيارة عمل الى متحف الفن الإسلامي في القاهرة والإطلاع المكثف على الجناح الخاص بالإمام الحسين(ع) والجناح الخاص بالسيدة زينب الكبرى(ع)، قام بها في يونيو حزيران 2011م، صاحبه المصور والمخرج الأستاذ بحر كاظم الحلي، وفيها اطلع على تاريخ نشأة المقام وبناء مسجد الحسين (ع) وبناء مسجد الملك الصالح في باب زويلة نهاية سوق الغورية، الذي كان من المقرر دفن الرأس الشريف فيه، وبناء مسجد الفاكهاني في المنطقة القريبة الذي خصص لدفن الرأس أيضا حتى استقر الأمر على دفنه في الموضع الذي فيه الآن قبل أن يُحفظ في مسجد موسى حيث دفن فيه أولا عندما نقل من عسقلان. كما تطرق المحاضر الى جناح الإمام الحسين(ع) في متحف الفن الإسلامي الذي يضم السفط أو القحف (آنية خزفية) مكتوب عليها (يا ألله) و (يا حسين) وهو الذي حمل فيه الرأس من عسقلان إلى القاهرة كما في بعض الآراء، فضلا عن الصندوق الخشبي الخاص بالمشهد الحسيني الذي صنع سنة 574هـ ونقل الى المتحف سنة 1321هـ وما زال يحافظ على هيئته كما رأيناه في زيارتنا للمتحف، داعيا إلى قراءة الجزء السابع من كتاب (تاريخ المراقد .. الحسين وأهل بيته وأنصاره) الصادر عن المركز الحسيني للدراسات بلندن سنة 2012م للمحقق الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي وما فيه من تفاصيل جمّة وجديدة عن الرأس الشريف ومقاماته.
وتحدث المحاضر عن كسوة الكعبة التي كانت تصنع في القلعة بالقاهرة وتنقل في استعراض عسكري جماهيري في شهر شوال الى مقام الرأس الشريف لتحفظ هناك ثم ينطلق بها بعد فترة الى مكة المكرمة في استعراض عسكري وجماهيري مهيب، وقد انقطعت هذه السُّنَّة بعد فترة من قيام حكم المملكة السعودية.
وأشار المحاضر الى نماذج من جهاد الشعب المصري الذي كان يتخذ من مقام الرأس الشريف مقرًا للتشاور والتحشيد والتعبئة، من قبيل التعبئة الشعبية بالضد من حملات التتار على الشام وتهديد مصر، والتعبئة الشعبية بالضد من إحتلال نابليون لمصر، والتعبئة الشعبية بالضد من الإستعمار البريطاني لمصر.
وتناول المحاضر المولد الكبير للسيدة زينب الكبرى حيث يحتفل المصريون خلال خمسة عشر يوما بهذه المناسبة في مقام الرأس الشريف وفي مرقد السيدة زينب الكبرى، مشيرا إلى انه في عام 2011م بعد سقوط حكم حسني مبارك شهدت القاهرة حضور نحو مليوني إنسان من أنحاء مصر للإحتفال بالمولد الشريف كما جاء في العدد (19783) من صحيفة المساء الصادرة في 29/6/2011م، واعتبرت الصحافة المصرية في حينها هذه الليلة حدثا كبيرا في تاريخ مصر من حيث عدد الحضور.
كما تطرق المحاضر الى قصة السيدة فاطمة أم الغلام الذي يقع قبرها على بعد مائتي متر من مقام الرأس الشريف، والذي يقال حسب بعض الروايات أنها وخلال إحدى هجمات الأفرنج ذبحت ابنها وأبدلت رأسه برأس الحسين واحتفظت به، وفيما فرح الفرنج بأخذ رأس الحسين(ع) اغتم المسلمون بذلك، وعندما انسحب الفرنج أخبرت القيادة الدينية والسياسية بالحدث وأعادوا الرأس الشريف في احتفال مهيب إلى مكانه.
وفي ختام كلمته، أشار الدكتور نضير الخزرجي نقلا عن صحيفة الدستور القاهرية في 7/7/2016م أن قادة مصر عبر التاريخ كانوا يحرصون على صلاة العيد في مسجد الحسين (ع)، وفي العصر الجمهوري صلى الرئيس جمال عبد الناصر في مسجد الحسين(ع) وهكذا فعل خليفته الرئيس أنور السادات، وهكذا فعل خليفته الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأول صلاة عيد للرئيس السابق محمد مرسي عام 2012م كانت في مسجد عمرو بن العاص.
يُذكر أن المحاضرة هي حلقة من سلسلة محاضرات لعدد من الباحثين وأساتذدة الجامعات تشهدها مؤسسة الأبرار في لندن بمناسبة ذكرى عاشوراء في الفترة 22 إلى 30 سبتمبر أيلول 2017م، حاضر فيها ويحاضر كل من: الدكتور سعيد الشهابي، الدكتور إبراهيم العاتي، الدكتور خالد الشفي، الدكتور نضير الخزرجي، الأستاذ حافظ الموسوي، الدكتور علي الأوسي، الأستاذ جلال فيروز، والدكتور بهاء الوكيل، وتلي فقرة المحاضرة مجلس عزاء للشيخ عبد الله الحلال ومراثي ينشدها السيد جعفر الموسوي.
الرأي الآخر للدراسات – لندن