السيمر / الاثنين 05 . 02 . 2018
معمر حبار / الجزائر
أبحث مراجع لزميلنا الأديب البليغ الشاب حسين صدام قصد بناء مقال علمي سبق أن طلبها منّي هذا اليوم، فاخترت له جملة من المراجع في انتظار المزيد، ومن بين المراجع التي وضعتها تحت تصرفه كتاب “أدباء في الذاكرة”، إعداد بوقفة فتيحة، الطبعة الأولى 2011، دار الهناء، برج الكيفان، الجزائر، من 161 صفحة، وممّا جاء في الكتاب:
ذكرت الكاتبة 18 جزائري عبر فترات زمنية متباعدة حينا ومتقاربة حينا آخر على أنّهم من أدباء الجزائر، والنسبة الكبيرة منهم شهد الثورة الجزائرية 1954 واسترجاع السيادة الوطنية 1962، ومنهم من يكتب باللّغة العربية ومنهم من يكتب باللّغة الفرنسية، ومنهم الشاعر ومنهم الكاتب وهم:
عبد الحميد بن باديس، محمد ديب، أبو القاسم الجفناوي، مبارك الميلي، مالك حداد، عبد الرحمن الثعالبي، الطيب العقبي، مولود فرعون، محمد البشير الإبراهيمي، إبن رشيق المسيلي القيرواني، العربي التبسي، كاتب ياسين، مولود قاسم آيت بلقاسم، رشيد ميموني، عبد الحميد بن هدوقة، مفدي زكرياء، الأمير عبد القادر، محمد العيد آل خليفة.
والملاحظة التي استرعت انتباه القارىء المتتبّع ودفعته لكتابة هذا المقال هي غياب مالك بن نبي رحمة الله عليه عن قائمة الأدباء.
وللإجابة على السؤال يستحسن بالقارئ الوقوف أولا على كتب مالك بن نبي باللّغة الفرنسية وسيقف لا محالة على القدرة الأدبية التي أوتي إيّاها بلغة قويّة أحيانا وسهلة أحيانا أخرى مستعملا الرموز التي تتطلّب قراءتها عدّة مرّات لفهم المعنى ومستعملا عادة كلمات عالية المستوى تتطلّب دراية فائقة في اللّغة الفرنسية واستعانة بالمنجد وإلماما بفكره وكتبه من حيث القراءة والمقارنة.
وتكمن براعة مالك بن نبي الأديب في كونه عالج قضايا فكرية معقّدة بأدب رفيع ولغة ترقى لمستوى عالم الأفكار ولذلك تميّز عن غيره بكونه كان من الأوائل الذين تطرّقوا لقضايا فكرية جدّ معقّدة كالحضارة والثقافة والفكرة والقابلية للاستدمار وغيرها بأسلوب أدبي تميّز بعمق الفكرة وثراء القاموس.
ومن الملاحظات التي وقفت عليها وأنا أقوم بترجمة بعض المقاطع والمقالات لمالك بن نبي، أنّ مالك بن نبي الأديب أشدّ تعقيدا وجمالا من مالك بن نبي المفكّر، وأنّ الذي لا يستطيع تذوّق أدب مالك بن نبي لا يمكنه بحال أن يرقى لفهم أفكاره العميقة أحيانا والمتشابكة أحيانا أخرى. ففهم أفكار مالك بن نبي يتطلّب الوقوف على لغته المستعملة وثوبها الأدبي الذي صيغت به أفكاره.
وما يجب ذكره في مثل هذا المقام أنّ مالك بن نبي الأديب يظهر بجلاء في الكتب التي كتبها باللّغة الفرنسية حيث أبدع وتفرّد عن غيره بأدبه، ولا يظهر ذلك بوضوح في كتبه التي ترجمت باللّغة العربية و القارئ لمالك بن نبي باللّغتين يدرك ذلك جيدا، ومن دخل عالم الترجمة والصعوبات التي يلاقيها في البحث عن كلمة صعبة والسّعي للوقوف على المقصود من عبارات بعينها يدرك أنّ مالك بن نبي أديب ومن بين كبار الأدباء باللّغة الفرنسية.
وقد وصلت إلى نتيجة مفادها أنّ الذين ترجموا لمالك بن نبي إلى اللّغة العربية لم يستطيعوا إبراز مالك بن نبي الأديب الموجود باللّغة الفرنسية، ولهم بالغ الشكر والثناء على ما بذلوه من جهد في ترجمة كتبه إلى اللّغة العربية.
و يبقى في الأخير لأهل الأدب انتقاد مالك بن نبي من الناحية الأدبية، ولأهل الفكر حقّ انتقاده من الناحية الفكرية، ورحم الله مالك بن نبي الأديب والمفكر معا.