الرئيسية / مقالات / آثارُ الجرائمِ المالية والفساد على إقتصادات الدول

آثارُ الجرائمِ المالية والفساد على إقتصادات الدول

السيمر / فيينا / السبت 23 . 07 . 2022 

د.ماجد احمد الزاملي                                                                       

  في عالم اليوم المُعَولَم، لا يوجد بلد أو نظام حُكم يعيش في فراغ. إذ يجري تسهيل قدرة الحكومات الفاسدة على إحتكار الموارد في بلدانها من جانب أطراف خارجية مساعدة، هي في الغالب مؤسّسات وأفراد غربيون. ولعَلَّ أهم جهة مساعدة في هذا السياق هي الصناعة المصرفية الدولية. فعلى الرغم من التغييرات الحقيقية التي أُجريَت على قواعد السرّية المصرفية والتدابير التي أُتّخذت للحدّ من غسيل الأموال، لايزال هذا القطاع بمثابةِ ناقل رئيس لتحويل الثروة الوطنية إلى أيدي أشخاص وإخفائها في الخارج. ويلعب المهنيون الغربيون الآخرون، مثل المحامين أو  شركات المحاسبة العريقة، التي تعمل في الغالب عبر فروعها الإقليمية، دوراً مماثلاً، وإن كان أقلّ محوريّة. تُعتبر الجرائم الإقتصادية من بين أهم المؤشرات التي تخلق نوعاً من اللاتجانس في النظام الإجتماعي، من خلال عرقلة مسار التنمية بكل مستوياتها سواءً الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية, وذلك في ظل العولمة التي جعلت من إقتصاديات الدول اقتصادً حراً مما تسبب في تحرير التجارة وفتح الحدود وإنفتاح الأسواق على رؤوس الأموال المختلفة، وتزامن ذلك مع قفزة علمية طوَّرت مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصال.                                                             

لقد نشأ وتطور مفهوم التكتلات الاقتصادية في ظل البلدان الصناعية وأصبح يُنظر إلى هذه التكتلات على أنها ضرورة مُلِحَّة خاصة في مرحلة تطَور القوى المنتجة التي وصلت إلى مستوى معين من التطور والتقدم وساعد في ذلك العِلِم والتقنية وتزايد الإنتاج ,والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي. أن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة إلاّ أنّ ظهورها كتجربة إقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية إتخذتها مجموعة من الدول سواءً كانت نامية أو متقدمة، رأسمالية وإشتراكية، لمواجهة مختلف التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة فظهرت هذه التكتلات كنتيجة للقيود في العلاقات الدولية وكمحاولة جزئية لتحرير التجارة بين عدد من الدول، فظهرت التكتلات الاقتصادية في صورة مشروعات فردية قدمتها أمريكا للدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، مثل مشروع “مرشال” الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الاقتصادية المصحوبة بشروط سياسية وعسكرية، وقد كانت شعوب قارة أوروبا أول من ساهم في نشأة هذه التكتلات وذلك بحكم ما تعرَّضت إليه هذه الشعوب من أزمات إقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية، فذاقت ويلات الهزيمة وأصبحت دول هذه الشعوب منهارة إقتصادياً وعاجزة عن النمو فأدركت بأنه لابد من تكتلها ومن جميع النواحي لإعادة بناء اقتصادياتها ومواجهة السيطرة المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ومواكبة مختلف التطورات الكبيرة في العِلِم والتكنولوجيا. من هنا تكتلت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة سنة 1957، وكانت هذه الأخيرة صورة مثلى للعديد من الاقتصاديين والسياسيين الذين اعتبروها نموذجاً يحتذي به بين مجموعات دولية أخرى، ثم انتقلت ظاهرة التكتلات إلى مجموعة أخرى من الدول، فنشأت منطقة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى.                    

وبحكم العولمة أصبحت الدول تعتمد على بعضها البعض أكثر فأكثر، كما أصبح للشركات المتعددة الجنسيات الضخمة مكاتب أو نقاط على طول سلسلة الإمداد الخاصة بها في العديد من البلدان المختلفة، ولذلك ينبغي  الحفاظ على علاقات جيدة مع دول أخرى تمرّ عبرها حلقات  الإمداد أمراً في غاية الأهمية للعديد من القادة السياسيين والكثير من رجال الأعمال، طالما أنّه سيضمن إستمرار رفاهيتهم وأعمالهم. فمثلاً الترابط الاقتصادي بشكل خاص في منطقة اليورو لم يُعزِّز السلام وحسب، بل زاد أيضاً من حجم التبادل التجاري بين الدول وجعل تنقُّل العمالة في تلك المنطقة أكثر  إنسيابية . ويمكن للمصالح الاقتصادية أن تجعل منطقتنا أكثر سلاماً واستقراراً ممّا هي عليه الآن، ويُعتبر دور الاقتصاد في منع نشوب الحروب والصراعات المُدَمِّرَة مهمّاً للغاية، ولكنه ينتهي عندما تصبح عواقب السياسات الاقتصادية وخيمة جدّاً، وبعيدة المدى وفي بعض الحالات غير مُتوقَّعة.                                             

والإستقلال  الاقتصادي وألإكتفاء الذاتي يعتبران من ضمن حقوق ألإنسان الأساسية,وإقامة العدل والدفاع عن حقوق الانسان يُعتبران من أنبل الغايات الانسانية,حيث أنَّ موضوعات حقوق الانسان تُعَد من أهم الموضوعات المُثارة حالياً على كافة المستويات الدولية والإقليمية والوطنية . فإساءة استخدام النظام المالي يمكن أن يلحق الضرر بسمعة المؤسسات المالية، محدثًا آثارًا سلبية على ثقة المستثمرين وبالتالي يزيد من ضعف وإرباك النظام المالي. ولا ينشأ الضرر الاقتصادي من أفعال الجريمة الاقتصادية والمالية المباشرة وحسب بل أيضًا من مجرد وجود تصور بأنَّ تلك الأفعال تحدث، وبذلك يؤثر على سمعة النظم المالية وعزوف  الاستثمار الخارجي . وفي العديد من البلدان أيضًا يؤدي اشتباه الجمهور على نطاق واسع بأن الصفوة ترتكب الجرائم الاقتصادية والمالية في القطّاعين العام والخاص إلى تقويض شرعية الحكم .                          

وتحرص المجتمعات وخاصة الديمقراطية منها على كفالة الخصوصية ، وتعتبره حقا مستقلاً قائماً بذاته ، ولا تكتفي بتشريع القوانين لحمايته بل تسعي إلى ترسيخه في الأذهان ، وذلك بغرس القيم النبيلة التي تلعب دوراً كبيرا وفعالاً في منع المتطفلين من التدخل في خصوصيات الآخرين وكشف أسرارهم . ولقد حظي هذا الحق باهتمام كبير سواءً من جانب الهيئات والمنظمات الدولية أو من جانب الدساتير والنظم القانونية ، فعلى الصعيد الدولي نجد أن هذا الاهتمام يبرز في صورة اتفاقيات دولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 217 المؤرخ في 10/12/1948 م في المادة (12) منه. لذلك ينبغي تفعيل العلاقة بين الأجهزة القضائية المختصة بقضايا المال العامة والأجهزة الرقابية مثل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا للمناقصات والمزايدات. وإستمرار التحري وجمع الأدلة لفترة طويله قد يستمر لأكثر من سنه  , يؤدي إلى تميّع القضايا الجنائية وهروب البعض قبل المحاكمة. و تشتمل الأنظمة القانونية المختلفة بما فيها النظام القانوني العراقي على مجموعة قوانين تهدف لحماية المال العام إبتداءً من حماية المنابع الأقتصادية والتي تُمَثِّل الجهات الأيراديه والثروات الوطنية المختلفة التي تحقق عائداً للدولة وتهدف الدول من خلال هذه التشريعات ضمان تحصيل كافة الأموال العامة ووصولها إلى الخزينة العامة للدولة والأشراف على عملية استثمار الموارد الناتجة من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن ومنتجات القطاعات الأخرى من الموارد الأقتصادية للبلاد كما تشتمل الأنظمة القانونية على قوانين رقابية وإجرائية وعقابية لحماية المال العام من الأختلاس والنهب أو التلاعب بمقدرات الشعب. ولذلك تتسم المكافحة الفعّالة للجريمة الاقتصادية والمالية بأهمية حاسمة للتنمية المستدامة وبناء المؤسسات. والإجرام الاقتصادي يعني  الأفعال الضارة الاقتصادية والتي يتولى القانون تحديدها لحماية مصالح البلاد الاقتصادية . فثمة نصوص تهتم بحماية النظام الاقتصادي في مجال الأنشطة المختلفة ومن أهمها حماية الأموال العامة والخاصة من العبث أو امتلاكها خِلسة أو حيلة أو عنوة، وتحقيق أرباح غير مشروعة، أو بتوجيه سياسة الدولة لتحقيق مصالح ذاتية ومن بين تلك الجرائم الضارة بالمصلحة العامة إستغلال الوظيفة العامة لتحقيق أغراض شخصية عن طريق الرشوة والتربُّح وإستغلال النفوذ لتحقيق مصالح ومنافع وميزات شخصية. ولمّا كان القانون الجنائي يهتم بحماية المصالح الأساسية للمجتمع الإنساني فإن من أهم هذه المصالح حماية المال من جرائم الاعتداء عليه سواءً كان المال عامًا أو خاصًا. وباستقراء نصوص التشريعات الاقتصادية تتضح سياسة المشرِّع تجاه حماية المال العام من العبث بوصفه جرمًا جسيمًا، وتطبيقًا لذلك فقد نص المشرِّع المقارن على جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر والاستيلاء عليه بأي صورة أخرى، ومن بينها أيضًا تقاضي عمولات عن صفقات أو غير ذلك من الأفعال، وقد فرضت عقوبات جسيمة لمنع العبث بالمال، ومن أهم الجرائم الاقتصادية جرائم الفساد واختلفت النظم السياسية في شأن محاسبة المسؤلين السياسيين وكبار الشخصيات في حالة انحرافهم بالمسؤلية المنوطة بهم وفساد ذممهم .. إذ تجنح بعض النظم إلى الاكتفاء بالتطهير أو الجزاء الإداري والإقالة في حالة الاتهام بالانحراف والفساد. بينما تأخذ دول أخرى بنظام الجمع بين العقوبة الجنائية والجزاء الإداري مهما كان مركز الجاني الوظيفي وذلك إعمالاً لمبدأ ” سيادة القانون” الذي يُعتبر أصلاً من الأصول التي تقوم عليها الديمقراطية.                                           

 وتُعتبر ظاهرة التهريب من أخطر المشكلات التي تواجه الكثير من الدول في العصر الحديث لما لها من آثار مدمِّرة على الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص على اقتصاديات الدول الفقيرة ومنها العراق واليمن مثلاً.  هنالك الكثير من الاثار السلبية للتهريب حيث يُعتبر عامل هدّام لقدرات الدولة ,مثل  تدمير الصناعة المحلية نتيجة للمنافسة الغير متكافئة من جراء دخول السلع الأجنبية بدون دفع رسوم جمركية مما يجعلها رخيصة أمام المستهلك المحلي الذي بدوره يحجم عن شراء المنتجات المحلية، وينجم عن ذلك إنخفاض الإنتاج المحلي الذي بدوره يفضي الى تسريح جزء من القوى العاملة التي تنضم الى طابور البطالة والفقر الذي تعاني منه الدول النامية بشكل كبير.                                       

1-السياسة الجنائية                                                         

للسياسة الجنائية – السياسة الجنائية  العِلِم الذي يَهدف إلى إستقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السُبِل لمكافحتها – مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرِّع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المُقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الإجتماعى والخُلِقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرّمة لتحديد أى الوقائع يجب أن تبقى مجرّمة، وأيها يجب إباحتهِ ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم.  والدستور وقانون العقوبات العراقيان يحتويان على نصوص كثيرة فى مجال الحريات والمحاكمات العادلة ولكن التقصير يقع على أطراف تطبيق الدستور والقانون( مأموري الضبط القضائى ,النيابة ,القضاء والمحامون).  فلا مِريَة أن الدولة تستعين اليوم بالقانون  الجزائي لحماية مصالح وحقوق  كثيرة تنص عليها قوانين أخرى غير عقابية، كما وأنّ قانون العقوبات الأساس لم  تتسع نصوصه لمواجهة الكثير من الظواهر  الإجرامية المستحدثة، ولذلك كثرت  التشريعات التكميلية والخاصة التي يتصف  الكثير منها بالغموض والتعقيد  والطبيعة الفنية، كقوانين الضرائب وحماية  البيئة، والتشريعات المالية  والاقتصادية، واللوائح الكثيرة التي تحمي  الأمن العام والسكينة العامة  والصحة العامة .وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات . ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتِّباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المُجرِم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. أنّ المشرِّع يضع الخطوات والإجراءات التي تُباشرها السلطات المختصة فـي الدولة – منها قاضي التحقيق – من أجل تقصي الحقيقة وملاحقة مرتكب الفعل المخالف للقانون وإيقاع العقاب اللازم متى توافرت أسبابه، وهو في وضعه هذه القواعد يُحدد متطلبات عدم المساس بالحريـة  الفردية، فالقانون وحده هو المصدر الوحيد الذي يرسم ويُحَدِد تلك القواعد الإجرائيـة منـذ تحريـك الدعوى الجزائية حتى  إنتهائها بحكم بات، ويُعرَف هذا الانفراد في تنظيم الإجراءات الجزائيـة بمبـدأ  قانونية الإجراءات الجزائية. ومن هذا يتضح أن مبدأ الشرعية الإجرائية يقتضي إحترام الحرية الفردية المقـررة بالقـانون  أثناء الدعوى الجزائية، وتكفل قوانين الدولة تحديد ما يتمتع به الفرد قِبَل الدولة من حقوق يتعين عـدم  التفريط بها أثناء سير الدعوى الجزائية، كما تحرص دساتير بعض الدول على توفير  أهم الضمانات التي يجب إحترامها وخاصةً ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الدفاع، وترسـم هـذه الدساتير الخطوط العريضة للمشرِّع وتُحدد له الإطار الذي يستطيع بداخله تنظيم إجـراءات الـدعوى الجزائية(1).                                                  

2- الفساد السياسي / /الاقتصادي /الاداري                         

الفساد هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة وأن الفساد الإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص , غير أن ثمة انحرافاً إدارياً يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة , وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد الإداري لكنه إنحراف يُعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يُعالج إلى فساد إداري. الفساد الإدارى يُمثل أهم المشكلات والصعوبات التى تعترض برامج وخطط التنمية وأن آثار الخطط السلبية لا تقتصر على المجتمعات النامية بل تمتد إلى كل المجتمعات إلاّ أن الفساد الأدارى يكون أكثر أثراٌ فى المجتمعات النامية والتى تعاني من ضعف البنيان المؤسسي وغياب المشاركة الديمقراطية وتُعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة بالإهتمام في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرةً لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها . وتحرص كل الدول على اختلاف حجمها ومستويات نموَّها على إنشاء مؤسساتها الخالية من الفساد والترهل الوظيفي ، كما تحرص أيضاً على تطوير هذه المؤسسات من آن لآخر لقناعتها بأهمية الدور الذي تقوم به دوائر ومؤسسات الدولة ,في نقل الدول إلى مراحل متقدمة من النمو.  ويُمثل الفساد قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية ، ويترتب على الفساد خلل فى الكفاءة الاقتصادية ، نظراً لما ينتج عنه من سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توجيه الاستثمارات ، فضلاً عن إعاقة الاستثمارات والتراكم الرأسمالى ، ومن ثم ، يعوّق عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة لما يترتب عليه من خلل فى توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع ، فضلاً عما يترتب عليه من عديد من الآثار السلبية اجتماعياً وسياسياً وتعوّق تلك الآثار عمليات الإصلاح ، ولذا أصبحت قضية الفساد من القضايا التى تشغل بال الجميع ، نتيجة لزيادة حجم الفساد واتساع دائرته وتشابك حلقاته وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل.        

 التفاعل بين المظاهر الجديدة للفساد الحكومي الحادّ، الظاهر للعيان خصوصاً منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبين ردود الفعل العامة التي تأخذ أشكالاً جديدة، لايزال غير مفهوم بصورة كافية. غير أنه لايمكن الآن إنكار الدور الذي يلعبه الفساد في تحفيز المخاطر الهامة على الأمن الدولي. ولذا، فإن إجراء دراسة متأنية لتداعياته في ظروف وبيئات محدّدة يمكن أن يساعد واضعي السياسات في تبنّي خيارات أفضل من بين مجموعة أوسع من خيارات المشاركة للحدّ من احتمالات حدوث صراع أو أزمة مفتوحة.       

تعاني الأسو ق المالية من مشكلة ما تفرزه التوقعات من نتائج حول آتجاهات الأسعار في الأسواق، فالأسواق المالية لا تعرف بالتأكيد ماذا سيحصل لأسعار الأدوات المالية من تأريخ الشراء حتى تاريخ الإستحقاق، ومن حالة عد م التأكد من ذلك , وهذه يتولد عنها عنصر المخاطرة، ومن هنا  يتضح أن خطر السوق يعني آحتمالية تغيّر أسعار الأدوات المالية آنخفاضاً أو إرتفاعاً , ان هذه الحالة تُحمِّل الشخص المستثمر أما خسارة رأسمالية أو كسباً وقت الشراء ووقت البيع، وان الخطر يزداد بآحتمالية زيادة الخسارة (2). وتأثير الصناعة العسكرية على ميزانيات الدول يجعل معظم أموال الدول لا تذهب إلى القطاعات الصناعية الخادمة للتقدم الاجتماعي، بل نحو الصناعات العسكرية، وهذا يؤدي إلى نزوح العديد من البلدان الرأسمالية والبلدان النامية عن هذه المجمعات الصناعية، في ظل أخذ الدول الرأسمالية (غير المُصنِّعة للسلاح) حاجتها من السلاح من الدول الاشتراكية السابقة كروسيا، وكذلك من الصين، وفي ظل منافسة المجمعات العسكرية الرأسمالية للمجمعات العسكرية الرأسمالية الأم. كل ذلك يسير بوتائر سريعة للتضخم المالي والسلعي، ويؤثر في فوضى حركة الأوراق المالية التي تعبِّر عن الفوضى في حركة الاقتدار الصناعي السلعي والتكنولوجي، إلى جوهر أزماتها من أزمات الركود والأزمة العامة والأزمة الهيكلية واللعب بالأسواق المالية. ولم يعد الفساد مجرد آفة مؤقتة من آفات المجتمعات الخاضعة لعملية التحديث ,والتي يمكن معالجتها بالتعليم والتنمية والأخلاقيات العامة. فبالإمكان لمس الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة الناتجة عن الفساد مهما كان حجمه. إنَّ تقديم البرهان على الالتزام بالحكم الوطني ومن ثم التعهد بالإدارة الرشيدة للشؤون العامة لم يعد شرطا ضمنيا بل أصبح الآن شرطاً صريحاً في برامج الإصلاح التفصيلية (على غرار ما أصدرته لجنة المساعدة الإنمائية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1997).  أن تباين السياسات الاقتصادية في الدول العربية صاحبه اختلاف في البناء المؤسسي الاقتصادي لهذه الدول، إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين، أغنياء وفقراء. شهد الربع الأخير من القرن المنصرم اتجاهات لتفكك الدولة القومية وإعادة دمجها بالاقتصادات الرأسمالية، إلاّ أنه يصعب الاندماج من دون إزالة وتغييب الهوية القومية ومكوناتها. وقد بدأت هذه التحولات من منطلقات اقتصادية، وفقاً لتوجهات برامج المؤسسات الدولية البنك والصندوق الدوليان إلاّ أنها واجهت صعوبة لإختلاف أنماطها السوقية والبنى الاقتصادية للنظام الدولي الجديد. فإستقرار الدولة والمجتمع الوطني رهن برسوخ مؤسسات ذلك المجتمع وخصوصاً الاقتصادي منها , وثقافة هذا المجتمع الحديثة في الحياة الوطنية , و رسوخ لمؤسساته في ظل أنظمة سياسية لا تملك اقتصاداً قوياً وواسعاً يشعر فيه الأفراد بالطمأنينة والأمن والاستقرار ,فلا تساورهم المخاوف والشكوك من قدرة حكوماتهم على تحقيق أمالهم وتطلعاتهم المستقبلية , وخصوصاً من الناحية الاقتصادية.                                                                           

    3- سيطرة  أميركا والشركات العابرة للحدود على ألإستثمارات                                       

بما أن الدولار أصبح سيّد العملات، فقد نجحت واشنطن في تحقيق سيطرتها عن طريق الاستثمارات وشراء المشروعات القائمة في أغلب البلدان، مقابل وعود بالتسديد بالدولار، ومقابل إعطاء الدائنين شهادات بتلك الوعود، فكانت “برامج الإعمار” العملاقة التي جعلت أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها وأسواقها، بلداناً تابعة يقتسم الاحتكاريون الأميركيون منافعها وأرباحها. غير أن المخصصات الأميركية لم تكن تكفي لإعادة الإعمار، بل هي كانت حقاً الجزء الأصغر من التكاليف، أما الجزء الأكبر فقد وقع على عاتق الشعوب في أوروبا واليابان، وحتى الجزء الأميركي الصغير لم يأتِ من خزائن الاحتكاريين الأميركيين، بل من مدّخرات المودعين والمساهمين الأميركيين الصغار، ومن دافعي الضرائب، ومن بعض المصارف الأميركية، فهم بالإجمال لم يوظفوا من أموالهم إلاّ النزر اليسير، وجنوا الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادى الدولي.و تعاني اقتصاديات الدول خاصة الرأسمالية من مشكلة ضيق الأسواق وصعوبة تصريف منتوجاتها، فتلجأ إلى التكامل لتصبح أسواقها أوسع تشمل جميع الدول الأعضاء ويترتب عن ذلك زيادة إنتاج المشروعات لمقابلة الزيادة في الطلب على منتوجاتها، وبالتالي تشغيل الطاقات المعطَّلَة وغير المُستَغَلَّة كما يؤدي إلى تحقيق توفّر الحجم الكبير.وعرف صندوق النقد الدولي في تقريره  آفاق الاقتصاد العالمي سنة 1995″ العولمة الاقتصادية بأنها تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين دول العالم، عن طريق زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والتدفقات الرأسمالية الدولية وكذلك سرعة ومدى انتشار التكنولوجيا”.وتنطوي العولمة الاقتصادية على ثلاثة نظم رئيسية هي النظام النقدي الدولي والنظام المالي الدولي والنظام التجاري الدولي، ويقوم على إدارة هذه الأنظمة ثلاث منظمات اقتصادية دولية هي على الترتيب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة، كل هذه تلعب دوراً رائداً في ترسيخ هذه العولمة، فتدويل الإنتاج وعولمة التفاعلات المالية والاستثمارية على الخصوص وسقوط الاستقلالية الذاتية الاقتصادية على العموم، كلها عوامل تساعد على انتشار الظاهرة العالمية التي من أول ضحاياها سقوط مفهوم السيادة الاقتصادية، أي أن الحدود السابقة تسقط أمام الشركات العملاقة التي تستطيع أن تنقل أمكنة صناعة منتجاتها إلى بلاد العَمالة الرخيصة وتُعيد بيعها في بقية اسواق العالم بأسعار تنافسية.     

أمّا المساعدات فغالباً ما تُقدَّم من أجل تحقيق مصالح ذاتية للدول المتقدمة , وذلك من خلال المساعدات التي قدمتها الولايات المتحده الامريكية الي العديد من البلدان النامية ,بالإضافة الي الاستفادة القصوى من التنازلات التي تقدمها الدول النامية للدول المانحة علي الصعيد السياسي و الاجتماعي او الثقافي، وهذا ايضا رأي بيل جيتس رئيس مجلس ادارة مؤسسة بيل و ميليندا غيتس وهو ان المساعدات ماهي إلاّ طريقة فعالة لإنتشال الفقراء من فقرهم وكان قد صرح بفكرة ان السوق الحر ليس وحده الطريق للقضاء علي الفقر فينطوي جزء من الأهداف علي إيجابيات و الاخر علي سلبيات ، وربطت العديد من الدراسات نسبة الفساد بالمساعدات الإقتصادية وأكدت علي انه كلما ازدادت المساعدات الخارجية في دولة معينة زادت نسبة الفساد في هذه البلدان ، ومن المسلم به الاعتراف تحقق كل منهم كنتيجة لمنح المساعدات ، كما تحقق المعونات المصالح الدبلوماسية والمصالح التجارية وجماعات المصالح التجارية التي في كثير من الأحيان تعتبر المساعدات وسيلة لزيادة أسواق صادراتها، أو التي تنظر إلى المساعدات كوسيلة لتعزيز فرص حصولها على المواد الخام التي تشتد الحاجة إليها، والمصالح الثقافية التي تتوخي عادة تغيير الدين واللغة أو القيم بالعنف ،وإعادة تشكيل السياسات الإقتصادية والنظام الاقتصادى ككل فى الدول المتلقية للمنح ،والمساعدات على النحو الذى يتفق مع رغبات الدول المانحة                      

و يمكن أن تأخذ الحرب الاقتصادية الشكل المؤثر  للنزاع الاقتصادى والتجارى، كما حدث فى الحرب التجارية الأمريكية الصينية. وكان البَلَدان قد خاضا فى 2019حربا تجارية أدت إلى الإضرار بالاقتصاد العالمى. والبعض  يعتقد بأن سبب الخلاف بين البلدين تتجاوز النطاق التجارى، بل تمثل صراعا على الهيمنة بين قوتين  مختلفتين في العالم. أو قد تأخذ الشكل الناعم  عن طريق ربط اقتصاديات الدول المستهدفة باقتصاديات الدول العظمى عن طريق إمدادها بالغذاء والأدوية وتقديم المساعدات والمعونات الاقتصادية إلى غير ذلك، مما يضمن ولاء تلك الدول للدول العظمى من الناحية الاقتصادية والسياسية.  والولايات المتحدة  تكاد الدولة الأولى في العالم فرضاً لسياسة الحصار ولكي  يكتسب مشروعيته لابد أن يخضع للفحص من قبل مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ولكن الولايات المتحدة تضرب بهذا المبدأ عرض الحائط والحصار الاقتصادي أو العقوبات الاقتصادية يحتاج إلى موافقة جماعية دولية إذ أن المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات تضمنت لمجلس الأمن أن يقرر أي الإجراءات التي لا تنطوي على استعمال القوة ينبغي استعمالها من أجل تنفيذ قراراته والواقع أن هذه المادة يُساء تفسيرها وتُحيطها الشكوك فيما يتعلق اتخاذه من إجراءات وآليات جعلت أميركا ودول أخرى تنفرد بفرض العقوبات والحصار الاقتصادي على دول بعينها .                                     

ولما كانت الدولة في العصر الحديث عبارة عن كم هائل من المؤسسات والسلطات والأجهزة التي تعمل باسم المجتمع ولمصلحته , فان عمل هذه المؤسسات والسلطات والأجهزة يكون وفقاً للقانون بمعناه العام الذي يمنحها الاختصاص والصلاحيات التي تقوم بها والاساس القانوني يعطي السلطة الواقعية لجهة معينة بممارسة اختصاصاتها ، وبموجب تدرج القواعد القانونية فيكون البناء القانوني للدولة من مجموع القواعد القانونية المتدرجة بحيث يقف الدستور في قمتها وبعدها تأتي القواعد القانونية الاقل مرتبة” منها(3) . والقانون عندما يمنح لجهة ممارسة الإختصاص الرقابي فان ذلك يُعد ضمانه ضد تعسف بعض الجهات في إقحام نفسها في عملية الرقابة كذلك فإنَّ تحديد الإختصاص لجهة معينة بممارسة إختصاصها يُعد وسيلة في رقابة الرأي العام على عمل هذه الجهة وفق إختصاصها .                 

لاشك في أن سلامة الاقتصاد الوطني عامـل أساسي فـي إستقرار الحيـاة السياسية و الاجتماعية ، إذ يوفر التوازن بين الإمكانات والرغبات مما يعطي للسياسة مفهومـها الأصيل . و قد تأثرت حيـاة الفرد إلى درجة كبيرة  بالتطور الاقتصـادي والصناعي ، فتطور نهج حياته ، كما تطورت علاقاته الإنسانية ، فَرَضَت بذلك  أنماطاً جديدة من السلوك والمواقف ، و قد إتصف بعضها بالتسلط  و المادية المُطلقة بحيث أصبح هاجس الربح سائداً بغض النظر عن المساويء الناتجة عن العمليات المؤدية إليه أو الأصناف المنتجة و أصبح الإنسان اليوم يسيطر على قوى الطبيعة وتحويلها إلى خدمة لمصالحه اليومية بصورة لم يعهدها من قبل. و كانت قد برزت في القرنين الأخيرين  مجموعات من أصحاب النفوذ المـالي بَدَت كعنصر فعـّال على الصعيدين المحلي   والدولي بإمكانها شـراء بعض ممثلي الدول وزجَّهم  في مصـالح اقتصادية محضة و يتجلى ذلك في بعض الفضائـح التي تحدثت عنها الصحف و تداولتها وسائل الإعلام حـول الصفقات التجارية غيـر المشروعة بيـن بعض الشركات وبعض الأفـراد الذيـن يمثلون الإطر  السـامية و النافذة في تلك الدول . و تُشكل هذه الممارسات دليلاً واضحاً على مـا وصل إليـه التنافس الاقتصادي والمادي والأساليب الميكافيلية التي تستعمل للوصول الى غايـات معينة بغـض النظر عـن أخلاقيات التعامل أو مصلحة الأفراد و الدول و الأنظمـة الاقتصادية التي تتبعها، فعندما تبلغ قيمـة صفقة واحدة مـن الأسلحة و الطائرات أو المخذرات عـدة مليارات مـن الدولارات و عندما تقرع نسبة معينة من هذا المبلـغ أبواب أصحاب القرار فكـم مـن الضمانة الأخلاقية الصلبة يجـب أن تتوافـر فـي هـؤلاء حتى لا تمتد أيديـهم لإستلام تلك النسب الـواردة غالباً مـن الأموال غيـر المشروعة,  ويعتبر تبييض الأموال أو غسيل الأموال مـن التعبيرات التي تداولت مؤخراً في كافة المحافل المحلية و الإقليمية و الدولية. لقد عمد الغاسلون إلى تبديل الأوراق النقدية من فئات صغيرة إلى كبيرة كما يعمدون إلى إبدال النقود إلى شيكات مصرفية، أيضاً يتم التخلص من السيولة بشراء العقارات والشقق والفنادق والمجوهرات الثمينة والتحف الأثرية واللوحات باهظـة الثمن. كما يقوم البعض بشراء الشركات والمؤسسات الخاسرة، وشـراء الأسـهم والسندات، كما تؤدي  شركات الصيرفة دوراً مهماً في عمليات تبيض الأموال. وغسيل الأموال هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات المالية التي يقوم بها الأشخاص الحاصلين على مبالغ ماليّة بطرق غير مشروعة، وذلك بهدف إضافة الطابع الشرعي على هذه الأموال وإخفاء مصدرها الأصلي غير القانوني، وكلّ من يساعد في هذه العملية يعتبر مخلّاً بالقانون ويندرج فعله تحت ما يعرف بجريمة غسيل الأموال، وأكثر الأموال التي يعتمد المجرمون على غسلها تلك التي يحصلون عليها نتيجة التجارة في المخدرات. وقد يعمد غاسلوا  الأموال و بالذات في العمليات الدولية الكبرى والمُنظِّمة إلى إنشاء شركات أجنبية صورية يطلق عليها في بعض الأحيان الشركات الصورية وهذه الشركات لا تنهض بالأغراض المنصوص عليها في عقود تأسيسها أو أنظمتها الأساسية بل تقوم  بالوساطة في عمليات غسيل الأموال غير النظيفة و عادةً ما يصعب تعقب النشاط غير المشروع لهذه الشركات وخاصة إذا كانت تقوم في ذات الوقت بجانب من العمليات المشروعة وعلاوة على ذلك فإن هذه الشركات لا تخضع في بلاد كثيرة لنفس درجة الرقابة التي تخضع لها. وتؤدي عملية غسيل  الأموال أيضاً على حصول أصحابها على دخول كبيرة دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات في المجتمع مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وإذا أضيف إلى ذلك نقص معدل الادخار و نقص إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم فإن ذلك يساهم في زيادة عجز موازنة الدولة و بالتالي ارتفاع الأسعار. وعلى المستوى الدولي تساهم عمليات تبييض الأموال على تصدير التضخم من الدول الصناعية المتقدمة على الدول النامية بسبب خروج أموال ضخمة من الدول النامية إلى الدول الصناعية المتقدمة التي يشعر أصحاب الأموال القذرة أنها أكثر أماناً لأموالهم. مع وجود تيار كبير في الدول الصناعية لا يصاحبه زيادة في العرض السلعي فإن ذلك قد يؤدي –  في ظروف معينة – إلى حدوث تضخم في الدول الصناعية و لما كانت الدول النامية تعتمد على الدول الصناعية بنسبة عالية من حجم تجارتها الدولية فإن ارتفاع الأسعار في الدول المتقدمة يعني الزيادة في أسعار السلع التي تستوردها الدول النامية و بالتالي ارتفاع الأسعار فيها(4).  وهنالك نمو متزايد في الاستثمارات الاجنبية الخاصة في الدول النامية خلال العقود الماضية ، وقد إرتبطت الشركات المتعددة الجنسية بالاستثمار الاجنبي في عمومه والمباشر منه بوجه خاص . وما يجدر ذكره ان هذه الشركات لا تعمل في مجال التنمية فالهدف هو تعظيم الربح ، لذلك فان غالبية توجهها نحو الدول سريعة النمو في جنوب شرق آسيا ، فهي دائما تبحث عن افضل ربحية وغير معنية بالقضايا التنموية , الفقر والبطالة وان كانت تحمل معها تكنولوجيا الانتاج ، وانماط واساليب ادارية وترتيبات تسويقية واعلانية فهي مؤهلة لأنشطة لا تخدم الطموحات التنموية للدول التي تعمل فيها. وقد اصبح لها مواقع عالمية تبحث عن الفرص في اي مكان بالعالم ، ولدى بعضها حجم مبيعات يزيد عن الناتج المحلي الاجمالي لكثير من الدول ، وفى هذا الاطار قد تتعارض مصالح هذه الشركات مع علاقاتها بالدول المضيفة ، وتنمو بمعدلات اكبر من معدل نمو الصادرات ، والقوة الاقتصادية في الشركات الصناعية الاساسية الناتج عن حجمها الهائل وقوتها الاحتكارية في السوق يكسبها قدرة فرض الاسعار وجنى الارباح من خلال منع المنافسين والسيطرة . لا تخلو عمليات تبييض الأموال من تدفق نقدي إلى تيار الإستهالك سواء في حالة الغسيل عبر البنوك أو القنوات المصرفية أو عن طريق الذهب والسلع وغيره، وهذا يعني الضغط على المعروض السلعي من خالل القوة الشرائية لفئات يرتفع إليها الميل الحدي للاستهلاك وذات نمط استهلاكي يتصف بعدم الرشو ة أو العشوائية، ولا تقيم وزناً للمنفعة الحدية للنقود، وال تقارن بينها وبين المنفعة الحدية للسلع والخدمات المعروضة في الأسواق. بذلك تساهم عمليات تبييض الأموال في ارتفاع المستوى العام للأسعار أو حدوث تضخم من جانب الطلب الكلي في المجتمع مصحوباً بتدهور القوة الشرائية للنقود، ونظراً لأن عمليات تبييض الأموال وما يرتبط بها من حركة الأموال عبر البنوك المتعددة، ومنه المساهمة بشكل ملحوظ في التوسع في السيولة الدولية ومن ثم تؤدي إلى حدوث ضغوط تضخمية.                ————————

.1 -نسرين عبد الحميد نبيه، مبدأ الشرعية و الجوانب الإجرائية، الطبعة الأولى، الناشر مكتبـة الوفـاء القانونيـة  .2008   .       

  2-جوزيف ستيغليتز، السقوط الحر: أمريكا والأسواق الحرة وتدهور الاقتصاد العالمي، ترجمة: عمر سعيد الايوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2011 ، ص33

3-د.ماهر صالح علاوي الجبوري , الوسيط في القانون الاداري , دار ابن الاثير للطباعة والنشر , جامعة الموصل , الموصل, ٢٠٠٩ . و د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20 .                         –

 4-صقر بن هلال المطيري، مذكرة ماجستير حول جريمة غسل الأموال، الرياض،دراسة حول مفهومها ومعوقات التحقيق فيها وإشكاليات تنسيق الجهود الدولية لمواجهتها , 2004، ص58

اترك تعليقاً