السيمر / الأربعاء 16 . 03 . 2016
محمد الحنفي
عومل عرقلة مسار اليسار:
وحتى لا يقوم اليسار بدوره في تحقيق الأهداف المرسومة محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، يقوم القياديون العاملون على توظيف تنظيمات اليسار، من أجل تحقيق تطلعاتهم الطبقية ب:
أولا: تحريف أيديولوجية اليسار، والعمل على نشر ذلك التحريف في صفوف مناضلي اليسار، وفي صفوف المستهدفين بعمل التنظيمات اليسارية المناضلة، حتى يتم تعطيل العمل الأيديولوجي، والتشويش على أيديولوجية اليسار، القائمة على أساس الاقتناع بالاشتراكية العلمية، وإدخال التنظيم في متاهة اللا أيديولوجية، بدعوى خصوصية المجتمع المغربي، أو العربي، أو الإسلامي، الذي لا يحتاج إلى استيراد أيديولوجية معينة، حتى وإن كانت هذه الأيديولوجية يسارية. غير أن هذه الخصوصية، لا ترفض الأيديولوجية الرأسمالية، أو الإقطاعية، أو أي أيديولوجية يمينية متطرفة، مما يجعل كل الأيديولوجيات التحريفية، رائجة في صفوف حزب اليسار، مما لا يخدم، في العمق، إلا مصالح القيادات التحريفية، التي تستفيد من الوضع المتردي لحزب اليسار؛ لأن المنتمين إليه، ينشغلون عن ممارسة القيادة بالتفتيت، والتفكيك، اللذين يعاني منهما اليسار، بسبب تعدد الأيديولوجيات التحريفية، في صفوف اليساريين، بفعل ممارسة القيادات المتطلعة.
ثانيا: ونظرا لأن الأيديولوجية، هي أساس التنظيم اليساري القوي، فإن تعدد الأيديولوجيات الذي يقف وراءها المنتمون إلى البورجوازية الصغرى، التي غالبا ما تكون مريضة بالتطلعات الطبقية، لا بد أن يؤدي إلى قيام توجه ايديولوجي تحريفي معين، بإيجاد تنظيم حزبي معين، مما يقود بالضرورة إلى تعدد التنظيمات المتشرذمة، والمتفتتة، والمتفككة أصلا، المنفرزة عن الحزب اليساري، الذي يتحول إلى حزب صغير، وضعيف، بسبب ممارسة قيادته المريضة بالتطلعات الطبقية، والتي حولت الحزب اليساري الكبير، إلى خانة الضعف، والتشرذم، والتفتيت، والتفكيك، كما حصل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي اعتنق الاشتراكية العلمية، كأساس، ومنطلق لبناء أيديولوجية الطبقة العاملة. وذلك في مؤتمره الاستثنائي، المنعقد في 25 دجنبر 1975، ونظرا لأن الاتحاد الاشتراكي يضم توجهات أيديولوجية مختلفة، فإن هذه التوجهات، اتفقت، في البداية، على مواجهة اعتناق الحزب لأيديولوجية الطبقة العاملة، مما قاد إلى قيام محطة 08 ماي، 1983، التي اعتقل فيها 34 قائدا وطنيا، وإقليميا، ومحليا، ليشارك الحزب بعد هذا الاعتقال، في انتخابات 1983 الجماعية، وانتخابات سنة 1984 البرلمانية.
والاعتقال الذي ضم كل المقتنعين بالاشتراكية العلمية، كأساس، ومنطلق لبناء أيديولوجية الطبقة العاملة، ترتب عنه انفراز الحركة الاتحادية الأصيلة، التي أصبحت تعرف، فيما بعد، بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الذي يعتبر نفسه امتدادا للحركة الاتحادية الأصيلة، ولحركة التحرير الشعبية، ثم توالت، بعد ذلك، الانسحابات من الحزب، في ظل مخزنة القيادة، ليتحول مع مرور الأيام إلى أحزاب يسارية، لكل منها أيديولوجيته البورجوازية الصغرى، التي لا وجود فيها للوضوح الأيديولوجي، الذي اكد عليه الشهيد عمر بنجلون، في تقديمه للتقرير الأيديولوجي.
ثالثا: والتعدد التنظيمي، المترتب عن التعدد الأيديولوجي، في الحركة اليسارية، لا يمكن أن يقود إلا إلى تعدد المواقف السياسية، التي تختلف فيما بينها، إلى درجة التناقض، مما يدخل التوجهات، والأحزاب اليسارية، في صراع مرير، مما يؤدي إلى التباعد فيما بينها، على أساس سياسي، الأمر الذي يترتب عنه قيام صراع تناحري غير مشروع؛ لأن الصراع الطبيعي، الذي يجب أن يقوم فيما بين الأحزاب والتوجهات الأيديولوجية، هو الصراع الديمقراطي، المؤدي، بطبيعة الحال، إلى إيجاد قواسم مشتركة، تصير أساسا لقيام عمل مشترك، فيما بين الأحزاب اليسارية، في أفق قيام هيأة تنسيقية، أو تحالف، أو فيدرالية، لإنضاج شروط الاندماج فيما بينها، لبناء حزب يساري كبير. أما الصراع التناحري المشروع، فلا يقوم إلا على أساس تناقض رئيسي، كا التناقض القائم، أو الذي يجب أن يقوم بين اليسار من جهة، وبين اليمين من جهة أخرى، سواء كان هذا اليمين ذا طبيعة إقطاعية، أو بورجوازية، أو يجمع بينهما. وقد يقوم بين اليسار، واليسار المتطرف، باعتباره لا يعبر إلا عن مصالح البورجوازية الصغرى، وقد يكون هذا الصراع بين اليسار، ومؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يوظفون الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، لخدمة مصالح الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل، خدمة لمصالح الاستغلال الإقطاعي، والبورجوازي، وسعيا إلى القضاء على اليسار، والحيلولة دون قيامه، معبرا عن طموحات الجماهير الشعبية الكادحة، على جميع المستويات. وهو ما يقتضي التخلص منه، ولو على طريق التضحية الجسدية، من وجهة نظر مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يمثلون التطرف اليميني، الذين يجعلون التحكم في الواقع، رهينا بإرادة الغيب، وباسم الدين الإسلامي، الذي لا علاقة له بما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي.
ولذلك، فما تقوم به القيادات التحريفية، بتحقيق تطلعاتها الطبقية، ولو على حساب اليسار، الذي يتفكك، ويتشرذم، ويتفتت، بسبب ما تمارسه القيادات ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، التي تستميت في خدمة الإقطاع، والبورجوازية، وفي خدمة التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، الذي تصير جزءا لا يتجزأ منه، باعتباره مساعدا على تحقيق التطلعات الطبقية، التي لا حدود لها.
وعدم الأخذ بمبدأ المركزية الديمقراطية، هو الذي يجعل اليسار يفقد بوصلة التوجيه الأيديولوجي، والتنظيمي، والسياسي. فالمركزية الديمقراطية لا تعني إلا قيام المركزية على أسس ديمقراطية، والأسس الديمقراطية شرط وجود اليسار؛ لأن اليسار إما أن يكون ديمقراطيا، أو لا يكون. وما دام الأمر كذلك، فإن ما يتخذه اليسار من قرارات، يجب أن يكون ديمقراطيا. والديمقراطية لا تعني إلا إشراك جميع قواعد التنظيم في اتخاذ القرار، عن طريق مناقشته في الإطارات التنظيمية الخلوية، والفرعية، والإقليمية، والجهوية، قبل انعقاد الهيأة التقريرية الوطنية، التي تقوم بدور كبير في اتخاذ القرارات، التي يتحول تصريفها إلى عمل مركزي، لتحضر المركزية الديمقراطية في ممارسة قيادة اليسار، بعد اتخاذ القرارات بطريقة ديمقراطية، بمساهمة قواعد التنظيم اليساري. وإذا كانت الديمقراطية شرطا لقيام التنظيم اليساري، فإن المركزية الديمقراطية شرط لاتخاذ القرارات، وتنفيذها، مما يجعل المركزية الديمقراطية، شرطا لقيام الحزب اليساري الكبير، ولضمان استمراره.