السيمر / فيينا / الأحد 30. 04 . 2023
د.عبد علي سفيح
اله جديد…أنبياء جدد…شريعة جديدة..أتباع جدد..وقرابين جدد،
عالم اليوم فرض سلطته على البشرية وأصبحت قيادة الأمم والأوطان والأنظمة السياسية الحاكمية تدين بدين جديد يتحكم بمنظومة جيوسياسية عابرة للقارات ونظام عولمة اسقط الحدود السياسية للأوطان وحولها خاضعة تحت رحمة سلطة راس المال.
عبر تاريخ البشرية الطويل شكلت الأديان السماوية نمط الحياة الانسانية على الرغم من الصراع بين الوجود والايمان.
هذه الأديان كانت تعتبر المال عصب الحياة وقوام المعيشة بعد عبادة الله. وفي التراث الاسلامي نجد أن المال كان له شأن في الجهاد وتجهيز الجيوش وتحرير رقبة وتحرير العبودية والانفاق على الفقراء والمساكين لتزكى بها النفوس. وكذلك الدين المسيحي اعتبر المال وسيلة لعقيدة الخلاص.
أي مفهوم المال كان وسيلة للوصول الى هدف اسمى منه. لذا الدين والسياسة والحكم كانا اكثر قوة من المال. أما اليوم نرى الصورة انعكست مع النظام العالمي الجديد في العالم حيث أصبح المال هو الهدف واما السياسة والحكم والدين ما هي الا وسائل للوصول الى المال.
ارجع للعنوان، دين جديد. اله جديد، نبوة جديدة ، شريعة جديدة وتابعي جدد ونحور وقرابين جدد.
الفكرة بأن يكون المال هو الرب ليس جديدا. ليس المراد به أن المال هو رب آخر يعوض عن رب العالمين، ليس هذا المراد منه، بل المراد منه أن المال رب جديد يغطي على رب الوحدانية للأديان الثلاثة ورب مدينة أثينا اليونانية.
المجتمع الغربي صانع الحداثة منذ أكثر من أربعة قرون، وجد اليوم بأنه ليس بحاجة الى رب لأنه بلغ سن البلوغ وهو يصنع مستقبله ولا يحتاج الى دليل يبين له طريق النجاة. المسيحي عندما يتكلم مع الراهب يقول له أبي ، أما الراهب فيجيبه بابني. أي الدين ما هو الا علاقة أب مع ابنه. الآن المجتمع الغربي رفض هذه العلاقة.
فلا شك أن الذي يحرك العالم الآن هو الاقتصاد فهو الذي يوجه السياسة والعلاقات بين الدول في عالم اليوم. ولو ضيقنا الدائرة أقل وأقل حتى نصل الى دائرة المجتمع فنجد أيضا ان الذي يحرك المجتمعات هو المال. لكي تعيش حياة كريمة وتكون حرا في قراراتك وتستطيع تحقيق ما تصبو اليه ودحر الخوف فانك ولا بد انك محتاج الى المال أيضا. وكذلك مد يد العون للغير.
لا شك بأن المال قوة، والكل يرغب في اكتسابه. وفي أحد الأمثال الفرنسية يقول: رجل بلا مال ذئب بلا اسنان.
في الربع الأول من القرن الماضي صدرت رواية الساعة الخامسة والعشرون للكاتب الروماني قسطنطين جيورجي وتنبأ بنهاية العالم بتحول الانسان عبد للمال والأعمال، وأن الحياة الاجتماعية التي تعودنا عليها ستنتهي لتتحول فيما بعد الى أدوات أو آلات في المصانع يتم استنزافنا من قبل أرباب العمل والمال، وأن نهاية العالم التي يعتقدها الكاتب هي نهاية وجود الأديان السماوية التي تشكل الغذاء الروحي للانسان رغم كل ما مر بهذه الأديان من عمليات تدمير بيد الكهنة ورجال الدين.
قد يكون من الصعب قبول مثل هذه الأفكار. لأن الناس تقول اذا تعارض الدين والمال قدمنا الدين على المال. هذا الكلام من الناحية النظرية قد يكون سهلا ، ولكنه من الناحية العملية، العالم اليوم اذا تعارض عنده الدين والمال فقد يختار المال . واذا ترك له الخيار بالعيش في بلد غني لا دين له من بلد فقير دينا له سوف يختار الأول على الثاني. أصبح المال يحرك الناس أكثر من الدين والأقوى منه وله أتباع كثر. اله المال أقوى من اله الدين( داعي الطبع أقوى من داعي الشرع ). الانسان يتصرف وفق طبعه لا وفق شرعه.
طرح في تراثنا منذ زمن طويل هذا السؤال: ما بال العلماء نجدهم على أبواب الأمراء، ولا نجد الأمراء على أبواب العلماء؟ فقال الدهاة من العلماء:لأن العلماء عرفوا قدر المال،اما الأمراء لم يعرفوا قدر العلم.
ممكن القول اننا نشهد اليوم ما ممكن أن نطلق عليه دين كوني جديد. اله المال يعبده عباد الكون ويطمعون بملكه وبحبه وقدرته القادرة ان يحول المسود الى سيد، والمحكوم الى حاكم، والضعيف الى قوي، والذليل الى عزيز، والعبد الى حر، ولهذا الاله انبياء ورسل وهم انبياء ورسل المال ولم يتجاوز عددهم 1 بالمائة من 7 مليارات من البشر، وهؤلاء المقربون لرب المال يملكون 99 بالمئة من ثروة العالم. هؤلاء الرسل لهم دور لعبادة رب المال وهي الشركات العابرة للقارات، وعدد هذه الدور اي الشركات حوالي 88 شركة. وهذه الدور لعبادة رب المال لهم اتباع يطيعونهم وعددهم 200 ملين شخص يعمل تحت سيطرتهم. وهؤلاء الأتباع يتبعون شريعة أنبيائهم ويحترمونها وهي الديقراطية. لم يشهد العالم شريعة عمت الكون مثل الديمقراطية. من القطب الشمالي الى الجنوبي وفي اقصى قرية في العالم تطبق هذه الشريعة التي وضعها رسل اله المال. وفي داخل هذه المعابد أي الشركات منصات لجريان الدم والنحور وتقديم القرابين. حسب الاحصائيات الدولية المعتمدة هناك 2.3 مليون شخص يموت من أطفال ونساء ورجال في هذه الشركات نتيجة الظروف المهنية غير المناسبة للعمل .