فيينا / الاحد 25. 08 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
مصطفى منيغ / المغرب
لكُلٍّ حَدّه مِن التَّصديق إلاّ مخاطبة المجهول بغير لغة ولا إشارات إنما هي نظرة ثابتة مًسلَّطة على أيِّ شيء واللاشيء وصمت يمسح كل الأصوات ليصل التعجب للأعماق مُستفسراَ بدون سؤال ، عسَى الرَّد مِن اي جانبٍ بأي خيال ، يزيح الحيرة وينْأَى بالغموض ليصل العقل الرَّزين غير المُدلَّل ، وبين وظائفه يجد واحدة تزيح هذا المهموم بمقاصد جمل ، حملتها رسالة لتحوِّل مجرَى حياته مِن انغماس في النضال السياسي النقابي إلى الغوص بلا مقدمات في نضال الأحاسيس فارضة حاجتها للمتع المشروعة المانحة الوجود قيمة تُحَسُّ ممَّن طَرَقَ المُنَبِّهُ الطبيعي فكره المتفتِّح على المستقبل ، الذي يريده بل يختاره على مقاسه ولا يُكْتَسَبُ عن ذكاءٍ أو دهاءٍ او معرفةٍ عارفة بإمساك الحق كحق وليس منحة من احد البشر مهما حنَّ أو عَطَفَ أو اتَّخذَها وسيلة سياسية يخرُجُ منها كاسباً ناجحاً منتصراً مهما عايشَ مِن ظروف أو تبدَّلت على مصالحه الذاتية الأحوال .
… مَنْ تكون تلك الفتاة لأكون سيِّدها الظاهر وعبدها الخفي المنساق بعاطفة انثى تتحكَّم في مخارج إبداعات شبكة تصطاد الاهتمام المناسب لترويضه على هواها بنصف معاني لأوامر غير منطوقة بل مجرد تلميحات تقود بوصلة الاتجاه عكس ما دأب عليه المغناطيس ليصبح شمالها شرقها طوعاً أو كرهاً ما دامت الثقة في النفس تجعل من الجماد يتحرَّك كرُؤية لا يستسيغها المنطق وتقلق البال ؟؟؟. من تكون التي ضيَّعت عليَّ الاستفادة مِن حصص ثلاثة دروس قيمة اللغة العربية عن طريق الأستاذ “الحاج الصُّرْدُو” والفلسفة عن طريق الأستاذ “محمد المرابط “القادم من القاهرة ليُعَيّن في نفس الثانوية (La Escuela Politecnica De Tetuan ) “المسماه حاليا بثانوية جابر بن حيان” والعلوم الطبيعية بواسطة الاسبانية الأستاذة (Ana ) ، كنت أحملق فيهم تارة فيظنُّون أنني منسجم مع شروحاتهم والحقيقة أن عقلي رفعني لعلوٍ من رأفَته عليَّ أنه أنزلني بلطف ورفق علَى رنين جرسِ الانصراف وإلاَّ لوقعتُ فأكون محطَّ استفسار يقودني لحرجِ عدم قدرتي على الإجابة . عهدتُ نفسي وسط تجربة ما كان الخوض في مكنونها مهما كان يخطر على بالي في هذا التوقيت المرتبط أساساً ببداية تسلق سلم التكوين الإجباري لمواجهة الغد بما يستحق من معدات معرفية تهندسُ اختراق أدغال ظروف ما كانت مبشرة بالخير ، حينما انفردت الإدارة المركزية بتدبير شؤون العاصمة وما جاورها بما في دلك قطب فاس مكناس تدبيرا يناسب مدخل الاهتمام المطلوب ، تاركة الشمال ليبتكر اعتماداً على نفسه ما يبقيه طافياً على يَمِّ المشاكل محتاطاً مِن الغرق في فاقة تجتاح الطبقات القروية كالحضرية ، ممَّا انفرد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة الزعيم المهدي بنبركة معارضاً بشراسة كي يثير الاهتمام أنَّ الشمالَ جُزءٌ لا يتجزَّأ من المغرب وعليه أن يحظى بما حظيت به بعض المناطق ولو أقل أهمية منه ، لكن لا حياة لمن تنادي ، فالمخزن أختار التعنُّت وشدَّد على استعمالِ العصا ضد مَن عصى لا فرق في ذلك بين امرأة أو رجل فكلاهما من تربية الملقب “بأبي رقعة” (المحتل الاسباني) ممَّا جعل الشماليين يشعرون أنهم مصنفين كدرجة ثانية ، الشيء الذي ساهم في إشعال فتيل الكثير من التوترات والقلاقل ، التاركة رسمها البيِّن وخاصة في مدينة القصر الكبير وبعدها العرائش لتصل شرارة الغضب لغاية الحسيمة . طبعا كنتُ من المشار إليهم بأصابع الملاحقة للانتقام ممَّا أقمناه من جدار نضالي مكثف الأعضاء المضحين ليعلو صوت العزيزة تطوان فوق أصوات الراغبين في ادراج انبطاحها ضمن قائمة المقيدين بالصمت وعدم الحركة والقناعة بالمقذوف إليهم من فُتات موائد بعض زعماء نفس المخزن في الدار البيضاء والرباط وفأس ، العامرة بمن نَسبوا حصول استقلال المغرب ورجوع الملك محمد الخامس من منفاه في مدغشقر لأنفسهم لا غير ، متجاهلين جهاد وتضحيات نساء ورجال الشمال الجاعلين من تطوان شاهدة انطلاقهم على طريق مناشدة التحرير بأي ثمن ، لكن الزمن كشَّاف حينما برزت الحقائق على لسان المقاومين ورجال التحرير الحقيقيين “كبلميلودي” و”عبد القادر المِيخْ” مِن مدينة “الخْمِيسَاتْ” وغيرهما كثير ، المعترفين بتضحيات الشمال عامة والتطوانيين خاصة ، المساهمين مساهمة عجَّلت بحصول المغرب على استقلاله ولو جاء استقلالاً منقوصاً ، وذاك موضوع مِن الواجب تسليط الأضواء الكاشفة على تفاصيل أسراره .
…جاء اليوم التالي مُحمَّلاً بهواجس الموضوع الشاغل كياني بما لم يقدر أي آخر إخضاعي بالمرة إليه متصوراً كما استطعت ملامح تلك الفتاة إتباعا لتعابير رسالتها المُلغمة بأكثر من قذيفة المحاطة بلغز ما استطعت فك شَفرته المسطر بحبر لم يصل أي جهاز في المخابرات على ملاءمته بأي حروف لأية كلمة من كلمات لغة حية ، وكلما دَنَا التوقيت المضروب ازداد قلقي ، وأخيراً دقَّت الساعة السادسة بالثانية .
… ما أن اخترقتُ ممرّ “عشعاش” لأصل موقع اللقاء حيث الموعد ، وجدتها مركّزِة الاهتمام على استعجال خطوات الواثق صاحبها من نفسه ، مهما كانت مقبلة في ختام مصيرها على فرح مقدر أو قرح لا مفر منه . لم أكن أتوقَّع أن فتاة ثانوية خديجة أم المؤمنين على هذه الدرجة من القدرة على تغيير ذاتها ، من طالبة مرتعشة فزعاً ، إلى فاتنة منشرحة تحاكي شروق ضياء بعد طول غَسَق . طبعاً تأكَّدتُ أنها نفسها ، مغلَّفة بهندام لا ترتديه مَن افترس قَدَّها إمْلاق ، او أحال بينها ومُتَع الدنيا أي اشتياق ، بل مَن كانت متربِّعة عائلتها على ثراءٍ حقيقي وليس موصوفاً كإنشاء مسطَّر فىق ورق ، كلما دنوتُ منها أحسستُ إن عالمي المزدحم بصور التوتُّر والجري لمساعدات الآخرين وملحقات القلق ، على مناضلين مِن شراسة ما يتعرَّضون له داخل أقسام الشرطة ، دفاعاً عن توجهات أفكار يرونها الحلّ لِما تحياه تطوان مِن أحوال يُرثَى لها ومعها الشمال المغربي قاطبة . رأيت برؤية تلك الفتاة عالما يتبدَّل في رمشة عين الي هدوء فاسترخاء على شواطئ الحياة ذي الرمال الحريريَّة الناعمة ، المالكة كل أسباب الراحة والاستطاعة الميسورة السهلة للحصول على ما تهواه ، ليس مجسَّداً في الخيال ، وإنما حقيقة تُلْمَسُ وتُمزَجُ روحياً في لحظات وصالٍ تقصُر مهما طالت ، اذ إطفاء لوعة الاشتياق ، فيروس العُشَّاق ، عائقه الأكبر مرور الوقت بسرعة البَرق . رأيت فيها عالَم ، الرجل فيه مهيأ خلال مُقتطع من العمر لا يُعَوَّض ، ليقوم بواجبه مشيداً مصيره بيده ، وليس اعتماداً على أيادي يخدم أصحابها ، لتمدَّه باجرة يكدح معها ليكتشف أن أوانه ضاع لتقبُّل التفاهات ليحصل على درجة من التفاهة أتفه ، الرجل الذي يختار بالعقل ، ليقينه أن نفسه المتحكِّم فيها ، ما دام خالقه المصوِّر البارع الخَلْق يعزِّز به حصانتها ما لزمت الفانية ، لحكمة حكيمة متحكِّمة في امتدادها وقتاً مُحدَّداً بأقل جزء من ثانية ، او بتوقف العد الزمني وكفى تعبيرا ، لتعود حيث تستقرّ ليفعل بها الحي القيوم ذو الجلال والإكرام ما يشاء ، الرجل المُعتني بنفسه منذ مرحلة تمييزه بين الخير والشر ، مفكراً في مصلحته متحملاً مسؤوليات تصرفاته المُحاسَب منفرداً عليها ، ولن يؤخَذ بأوزار احد ولو كان من اقرب المقربين إليه ، أن يحتضنَ مَن أوجدها الله غطاءا له يتقلَّب معها على الذات مشاعر تنمو وظائفها متلاحمة بين وصفة “حب” أولها حرف “حاء” كحياة وحاجة وحرية وحرام وحلال وحرارة وحماس وحيرة وحاسة وحمد ،وكلمات يصعب حصرها معناها في عمقها ، المرتبطة قطعاً بأسرار تتجلَّى تدريجياً مكوِّنة إدراك إنسانية الإنسان ، المميَّز عن باقي الكائنات ، وحرف “باء” كباب وباس وبرق وبرد وبحر وبستان وبداية ، وغير الميسور جمعه من كلمات ، تجعل المتمعِّن في كنهها يلمس حِسياً الغاية من وجوده ، وفي ذلك امتطاء المعرفة المُسبقة لذات البشرية المُبحرة دون ريب داخل امتن زورق ، ومع الدرج النهائي شعرتُ بصدر أنثى يصطدم بصدري محدثاً تياراً يلج لخلايا الكرويات البيض كالحمر لتتعانقا مقلدتان ما جَرَى وينطلقان داخل شرايين كل منا في رقصة يحرص على ضبط إيقاعها القلب بخفقان لا يبرع فيه إلا بحصول ما فوق النشوة بما لا نعت ينطبق عليها سوى السعادة في ذروتها القصوى ، تخبر الإنسان بحلاوة لحظات من الواجب الالتصاق بها لأطول مدة ممكنة ، لأنها غير دائمة التكرار ، مندرجة في المرات الأولى ، وبعدها الذكريات لكن ببرودة تتكيف مع مرور الوقت لتصل إلى علامة فارقة يُؤَرَّخُ بها لاستحضار واقع جد مؤلم راحل من المستحيل أن يعود ، اصطدام في طُعم البهجة بعد طول غياب تَذَوُّقِ مفعولها المحتاج لتحقيقه شروط أصعب من الصعوبة توفير أقلها بالنسبة لطالب مثلي يعتزم ترجمة إرادته بالنقش على صخر الظروف بتفاؤل لا يكلف شيئا سلاحه الصبر ، اصطدام بمد ذراعين للف عنقي ، في ليونة الليونة نفسها ، مصبوغتين بالحليب ، مُعطَّرتين بشذى ورود تطوان الغالية ، ومَن على حيد الطريق المقابل من رقباء أوقفهم المنظر غير المألوف مشدوهين مثلي ، لأسأل الفتاة مَن أنت ؟؟؟ . وتجيب :
(يتبع)…
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك ..