فيينا / الخميس 26 . 12 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قوله تعالى “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا” (مريم 27) فريا صفة، فرياً: عظيماً منكراً. أو عجيباً. أو مُحَيَّراً. و الفريّ: العجيب. و المعنى: لقد جئتِ شيئاً يُتحير منه و يتعجب منه. شَيْئًا فَرِيًّا: عظيما منكرا. فأتت مريم قومها تحمل مولودها من المكان البعيد، فلما رأوها كذلك قالوا لها: يا مريم لقد جئت أمرًا عظيمًا مفترى. وجاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا” (مريم 27) “فأتت به قومها تحمله” حال فرأوه “قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا” عظيما حيث أتيت بولد من غير أب.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا” (مريم 27) وأخيراً رجعت مريم عليها السلام من الصحراء إِلى المدينة وقد احتضنت طفلها “فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ” فلمّا رأوا طفلا حديث الولادة بين يديها فغروا أفواههم تعجباً، فقد كانوا يعرفون ماضي مريم الطاهر، وكانوا قد سمعوا بتقواها وكرامتها، فقلقوا لذلك بشدّة، حيت وقع شك بعضهم وتعجّل آخرون في القضاء والحكم وأطلق العنان للسانه في توبيخها وملامتها، وقالوا: إِن من المؤسف هذا الإِنحدار مع ذلك الماضي المضيء، ومع الأسف على تلوّث سمعه تلك الأسرة الطاهرة “قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا” (مريم 27).
و اما احداث الولادة فقد ذكر القرآن كيفيتها في سورة مريم في قوله تعالى: “فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمضـخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّا” (مريم 22-25). فحملت بسبب ذلك من الهم ما تمنت أن لو كانت ماتت قبل هذا الحال او كانت “نَسْياً مَنْسِيّاً” (مريم 23) أي لم تخلق بالكلية. و بعد الولادة رجعت مريم الى قومها وهي حاملة المسيح عليه السلام على صدرها، فلما رأوا طفلا حديث الولادة معها، أسرعوا الى اتهامها بالفحشاء والمنكر، وقالوا يا مريم لقد فعلت منكراً عظيماً، “قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً” (مريم 27). و الفرية هي الفعلة المنكرة العظيمة من الفعال والمقال. و اضافوا: “يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً” (مريم 28). و قولهم: “مَا كَانَ أَبُوكِ امْرأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً” (مريم 28) أي لست من بيت هذا شيمته ولا سجيتهم، فكيف ارتكبت هذه الفاحشة العظيمة. فلما ضاق بها الحال سكتت ولم تجب بشي، بل اشارت بيدها الى الطفل حتّى يجيبيهم ويكشف لهم عن حقيقة الامر، “فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ” فأستغربوا من امرها وقالوا: “كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً”وعندها تكلم المعجزة عيسى عليه السلام ليبرء ساحة أُمّه القديسة من كل اتهام باطل وقال: “قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً” (مريم 30-33). وختم قصة ولادته وكلامه للناس بقوله سبحانه: “ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَد سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” (مريم 34-35). وفيه نفي وإبطال لما قالت به النصارى من بنوة المسيح، وقوله: “إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ” (مريم 35) حجة أقيمت على ذلك وقد عبّر بلفظ القضاء للدلالة على ملاك الاستحالة أن يكون لله ولد.
جاء في صحيفة المثقف عن تأملات في كتاب الله للدكتورة منى زيتون: في مقال قريب نُشر منذ شهور بعنوان “القصص القرآني بين العرض المنطقي والعرض السيكولوجي” وعدت بأن تكون لنا عودة مع خواطر عن قصص قرآنية أخرى في مقال آخر. وحديثنا اليوم مجرد تأملات وخواطر راودت ذهني أثناء قراءتي لكتاب الله ربطتها مع ما أعرف من حقول معرفية أخرى، ولا تتعلق بطريقة سرد القصص مثلما كان الحال في المقال السابق. يَا أُخْتَ هَارُونَ: في سورة مريم، وفي سياق ما روى لنا الحق تبارك وتعالى عن موقف بني إسرائيل من السيدة مريم ابنة عمران بعد أن ولدت السيد المسيح و “َأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ” (مريم 27)، نجدهم يخاطبونها بقولهم: “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا” (مريم 28). ونجد مفسرينا قد اختلفوا بينهم فيمن يكون هارون المقصود في الآية، فتارة هو رجل صالح من بني إسرائيل شبهوها به في صلاحه، وتارة أنه رجل من عشيرتها اسمه هارون ليس بهارون أخي موسى كان مشتهرًا بالصلاح. فالأمر عندهم ليس أكثر من أن اسمًا واطأ اسمًا. وأعتقد أن هذا النفي لأن المعني في الآية هارون النبي أخي موسى الكليم غريب لسببين، أولهما: أن المسلمين لا يعرفون هارونًا غيره يستحق أن يُذكر اسمه في كتاب الله، حتى يكون تذكير مريم بصلاحه ذو معنى، بينما المفترض أنها هي من يشهد لها القرآن بالصلاح وأنها المصطفاة على نساء العالمين، وثانيهما: أن هذا النفي يخالف ما يدل عليه لسان العرب، فأخو القوم –ببساطة أي أنه منهم، سواء من أنفسهم أو من مواليهم. يقول تعالى: ”وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا” (الأعراف 65)، (هود 50). و “وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا” (الأعراف 73)، (هود 61). و “وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا” (الأعراف 85)، (هود 84).
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات